Voyage dans la pensée de Zaki Najib Mahmoud
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Genres
عبرت المرحلة الأولى عن سيطرة المشاعر الدينية، في حين كانت المرحلة الثانية يسودها «العقل الخالص» الجاف، غير أن مفكرنا لم يتخل قط عن أي منهما: لم يتخل عن «إيمانه» وتمسكه بالعقل والعلم؛ ومن ثم راح يبحث عن صيغة جديدة على هيئة مشروع ثقافي؛ يجمع فيها بين هذين الجانبين؛ فهو يردد في كثير من كتبه، بصورة قاطعة وحاسمة ، أن العالم الإسلامي، لن تقوم له قائمة ما لم يسهم في الكشف العلمي عن أسرار الكون على نحو لا يقتصر على مجرد العلم في ذاته بتلك الأسرار، بل يجاوز ذلك إلى تحويل العلم إلى عمل في مجالات التطبيق، «وإلا فماذا تكون الدلالة الحقيقية لكون الأمر بكلمة «اقرأ»، أول ما نزل به الوحي من القرآن الكريم؟»
36
فهو يريد من «المسلم» ألا يكتفي بتأدية أركان الإسلام الخمسة، بل أن يعلم أن هناك إلى جانب الأركان غرفا وجدرانا، ومن تلك الغرف أن يكون المسلم عابدا بعلمه، واستخدامه لذلك العلم في السلم والحرب معا.
37
وبذلك ينفتح الطريق أمامنا نحو الوسيلة التي تنهي بها مأساتنا.
38
فالصيغة المقترحة «أن تكون مع العلم بقوة الإيمان»؛ فالتدين الذي أراده فكرنا لم يعد نزعة إلى العزلة والتصوف، بل هو التدين الذي يجمع معه العقل في صعيد واحد، أو هو التدين المستنير بنور العقل؛ فهو لم يتخل في أي مرحلة من مراحل حياته عن محاربة النظرة اللاعقلية، أو اللاعلمية، إذا تجاوزت مجالها إلى ظواهر الطبيعة وسلوك الإنسان، وهي النظرة التي ظلت تتحكم في حياتنا العامة حتى أمسكت برقابنا.
وعلى ضوء هذه الصيغة الجديدة التي كونها مفكرنا خلال خمس سنوات، قضاها مجتهدا في تهيئة الأسباب التي تمكنه من أن يكون له الحق في إبداء رأي في التراث العربي الذي يعرضه على الناس؛ أقول على ضوء هذه الصيغة التي بلغت تمام نضجها في الأعوام الأولى من السبعينيات، أخذ يكتب فيما تصوره من وجوب ملء هذه الصيغة بمشروع ثقافي للمواطن العربي بصفة عامة، والمواطن المثقف بصفة خاصة، وهو مشروع لا بد أن يدمج جانبين في كيان واحد، فمن التراث ما لا بد أن يبقى ليضمن للعربي استمرارية تاريخية في حياته الثقافية، وهي استمرارية ضرورية لتظل للعربي هويته في جوهرها.
39
ومنذ عامه السبعين أخذ مفكرنا يصدر كتابا إثر كتاب، ومقالا بعد مقال ليشرح ما يراه من الصيغة الثقافية المطلوبة، التي تضفر فيها خيطين معا، أولهما الجانب الذي استقاه من ثقافة أصيلة زرعت في أرض عربية وأثمرت، وثانيهما جانب متصل بالعلوم في صورتها الجديدة، والمنهج التقني المميز لهذا العصر. فهذا كله يجب استزراعه في أرضنا من شتلات نستوردها من مراكز الحضارة الجديدة في الغرب.
Page inconnue