تعالى إذ تبت (1) يده أن تصل إلى هذه الأنوار ، وانكشفت شمسه عن هذه الأسرار ، فحرم الوصول إلى هذه الدار ، فخاب سعيه ، وطاش عقله ، فضل وأضل أن الله تولاهم ، ولم يتركهم لسواهم.
انعطاف إلى ما كنا بصدده وهو أن بعض المنتسبين والفقراء المتجردين قد برز في صورة ما ذكر من الأحوال والواردات والمواجد فقام بعض الفقهاء ينزح البحر بلسانه هيهات أن يصل إلى بعض معانيه وقد قال أبو يزيد البسطامي أعلى الولاية التصديق بأحوال الله أهل الله وأدناها التسليم لهم ولذلك نبهنا على أمر هؤلاء فإن فيهم من فتح له في باب [المعرفة أشراب على الخط السابق] (2) من ورود الشهود على قلوبهم فأوردوها ورود الاتحاد لغيبتهم عن الأكوان بمشاهدة المكون فنطق الكل بحسب شهوده ، وتحرك على قدر وجده وصعوده ، فلما حلاهم الله في بواطنهم بتلك الحقائق ، وعظم أمرهم بتلك الدقائق ، وزين ظواهرهم بالإشراق فسقاهم من كأس حبه ، وكساه بحلة قبوله ، فكانت تنادي بلسان حالها إن هذا مقبول عندنا ، ومفتاح لدينا ، فمن أحسن إليه أحسن إلينا ، ومن أساء عليه فقد أساء علينا ، فمن أخذ بيده قلبناه ، ومن تشفع به شفعناه ، ومن أحبه أسعدناه ، ومن اعترض عليه رددناه ، فصار خليفة في أرضه ، ونائبا عن أحكامه وإبرامه ، فمن تعلق به دخل ، ومن قصده بلغ الأمل ، وبالجملة فأسواق الحق عامرة ، وأهلها مشهورة ، فأهل وروده مذكورة ، فإن سعيت إليهم بحسن اعتقاد قضيت مآربك منهم ، لأن الله يستحي أن يردهم ، وكذا يقصم بالهلاك من يبغضهم ، لقوله صلى الله عليه وسلم من عادى لي وليا فقد آذنته بالمحاربة ومن حارب الله ورسوله هلك وإنما ذكرت هذا لعلمي بهؤلاء في هذه المدينة غير أن بعضهم يدعي ما لم يصل إليه وبعضهم يعترف بأقل ما لنفسه وبعضهم
Page 196