قَالَ: فَجَعَلَ الْفُجَاءَةُ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ، وَيَلْتَمُّ إِلَيْهِ النَّاسُ مِنْ أَهْلِ الدَّعَارَةِ وَالْفَسَادِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ ﵁، فَأَقْبَلَ عَلَى مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ وغَيْرِهِمْ مِنْ قَيْسِ عَيْلانَ [١]، فَخَبَّرَهُمْ بِمَا صَنَعَ الْفُجَاءَةُ، فَاغْتَمَّ بَنُو سُلَيْمٍ خَاصَّةً غَمًّا شَدِيدًا، وَقَالُوا: (وَاللَّهِ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، لَقَدْ حَدَّثَتْنَا أَنْفُسُنَا بِبَعْضِ ذَلِكَ، وَلَقَدْ قَلَّدَنَا عَدُوُّ اللَّهِ بِفِعَالِهِ عَارًا لا يُغْسَلُ عَنَّا أَبَدًا) .
قَالَ: ثُمَّ وَثَبَ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلابِيُّ [٢]، وَكَانَ شَيْخًا مِنْ [بَنِي] كِلابٍ وَفَارِسِهِمْ وَعَمِيدِهِمْ وَشَاعِرِهِمْ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﵌، فَقَالَ: (وَاللَّهِ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، لَقَدْ كَانَ عَدُوُّ اللَّهِ يَرُومُ الْفَسَادَ، وَمَا كُنْتُ أَقُولُ إِنَّهُ يَقْدُمُ عَلَى مِثْلِ هَذَا، وَلَقَدْ كُنْتُ أحذِّر قَوْمِي مِنْ بَنِي ذَكْوَانَ أَنْ يَسْمَعُوا مِنْهُ، وَيَأْخُذُوا بِرَأْيِهِ، فَأَبَى اللَّهُ ﵎ إِلا مَا أَرَادَ) .
ثُمَّ أَنْشَأَ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ يَقُولُ:
(مِنَ الطَّوِيلِ)
١- أَلا يَا لِقَوْمِي مِنْ حَوَادِثِ ذَا الدَّهْرِ ... وَإِجْمَاعِ قوم للفجاة عَلَى الْكُفْرِ
٢- غَوِيٌّ دَعَا قَوْمًا غُوَاةً لِفِتْنَةٍ ... وَقَدْ يَهْلِكُ الإِنْسَانُ مِنْ حَيْثُ لا يَدْرِي
٣- فَقُلْتُ لِقَوْمِي إِنَّهُ قَاذِفٌ بِكُمْ ... غَدًا يَا بَنِي ذَكْوَانَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ
٤- وَإِنَّ لَكُمْ مِنْهُ فَلا تَبْعَثُوا بِهِ ... لَيَوْمًا عَبُوسًا هُوَ [٣] أَحَرُّ مِنَ الْجَمْرِ
٥- فَلَمَّا دَعَاهُمْ كَانَ أَوْدَعَ سِرَّهُمْ ... إِلَيْهِ وَجَيَّفَ الْخَيْلَ فِي الْبَلَدِ الْقَفْرِ
_________
[١] في الأصل: (قيس وعيلان) .
[٢] الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب الكلابي، صحابي شجاع، كان نازلا بنجد، ولّاه رسول الله ﵌، على من أسلم بنجد من قومه، ثم اتخذه سيّافا فكان يقوم على رأس النبي ﵌، متوشحا بسيفه، وكانوا يعدونه بمائة فارس، استشهد في قتال أهل الردة من بني سليم سنة ١١ هـ-.
(الإصابة ٣/ ٤٧٧- ٤٧٨، الاستيعاب ٢/ ٢/ ٧٤٢- ٧٤٣، الروض الأنف ٢/ ٢٩٥، الأعلام ٣/ ٢١٤) .
[٣] اقرأ واو الضمير (هو) ساكنا لإقامة الوزن.
1 / 77