قَالَ: فَقَالَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، أَرَضِيتُمْ بِمَا يَقُولُهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالُوا: قَدْ رَضِينَا، فَقَالَ: يَا هَؤُلاءِ، لَيْسَ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَنْسُبُوا أَبَا بَكْرٍ لِلْعِصْيَانِ لِرَسُولِهِ ﵌، فَقَالُوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ، فَقَالَ: لأَنَّكُمْ ذَكَرْتُمْ أن رسول الله ﵌ اخْتَارَهُ وَرَضِيَ لَكُمْ فِي حَيَاتِهِ، فَقَدَّمَهُ لِلصَّلاةِ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ إِلا وَقَدِ اسْتَخْلَفَهُ عَلَيْكُمْ، فَقَدْ عَصَى أَبُو بَكْرٍ رَسُولَ اللَّهِ ﵌ بِإِخْرَاجِ نَفْسِهِ مِنَ الْخِلافَةِ، وَقَوْلُهُ: قَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَكَيْفَ لَكُمَا قُدْوَةُ هَذَيْنِ [١]، وَقَدِ اخْتَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﵌ وَفَضَّلَهُ عَلَيْهِمَا، وَلَعَلَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ أَنْتُمُ الَّذِينَ عَصَيْتُمُ اللَّهَ فِي شَهَادَتِكُمْ عَلَى نَبِيِّكُمْ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: لَقَدْ عَلِمْتُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ وَآمَنَ برسول الله ﵌ أَوْلِيَاؤُهُ وَعَشِيرَتُهُ، وَهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ مِنْ بَعْدِهِ بِهَذَا الأَمْرِ، فلا يُنَازِعُهُمْ فِي ذَلِكَ إِلا ظَالِمٌ مُعْتَدٍ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، فَلَسْنَا نُنْكِرُ فَضْلَكُمْ وَلا سَبْقَكُمْ فِي الإِسْلامِ، سَمَّاكُمُ اللَّهُ أَنْصَارَ الدِّينِ، وَجَعَلَ إِلَيْكُمُ الْهِجْرَةَ، فَلَيْسَ أَحَدٌ بَعْدَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَعَزَّ عَلَيْنَا منكم، ونحن الأمراء وأنتم الوزراء، ولا تفتاتون [٢] بِمَشُورَةٍ، وَلا تُقْضَى دُونَكُمُ الأُمُورُ، قَالَ: فَوَثَبَ الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري [٣]، وصاحب فِي بَنِي عَمِّهِ صَيْحَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، انْظُرُوا لا تُخْدَعُوا عَنْ حَقِّكُمْ، فو الله مَا عُبِدَ [٤] اللَّهُ عَلانِيَةً إِلا فِي بِلادِكُمْ، وَلا اجْتَمَعَتِ الصَّلاةُ إِلا فِي مَسَاجِدِكُمْ، وَلا دانت العرب
_________
[١] في الأصل: (قدوة اللتين)، وسيرد قوله في الصفحة ٤ ب: (أيها شئتم فبايعوا) .
[٢] كذا في الأصل، وفي كامل ابن الأثير ٢/ ٣٢٩: (لا تفاوتون) .
[٣] في الأصل: (الخباب بن المنذر) بالخاء المعجمة، وقد تكرر ذلك. وهو الحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد الخزرجي، صحابي من الشعراء الشجعان، يقال له: ذو الرأي، وهو صاحب المشورة يوم بدر، أخذ النبي ﵌ برأيه، ونزل جبريل فقال: الرأي ما قال حباب، وهو الذي قال في السقيفة عند بيعة أبي بكر: (أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، فذهبت مثلا)، توفي في خلافة عمر بن الخطاب سنة ٢٠ هـ-.
(الكامل في التاريخ ٢/ ٣٣٠، الإصابة ٢/ ١٠، ثمار القلوب ص ٢٣٠، الأعلام ٢/ ١٦٣) .
[٤] في الأصل: (ما أعبد) .
1 / 37