Richard Feynman : sa vie dans les sciences
ريتشارد فاينمان: حياته في العلم
Genres
أدركت كثيرات من صديقاته السابقات أن المتعة المتبادلة التي اعتقدن أنهن يتقاسمنها مع فاينمان لم تكن متبادلة تماما. كان في استطاعة فاينمان أن يركز تركيزا كاملا على المرأة التي معه، بطريقة آسرة تماما. لكنه في الوقت نفسه، وعلى الرغم من شدة المشاركة البدنية التي كان يظهرها، فقد كان في حقيقة الأمر وحيدا مع خواطره. تبعته ماري لويز بل، التي لم تكن مدركة لهذا العيب، من إيثاكا إلى باسادينا. كانت شقراء يميل لون شعرها إلى الفضي تنزع إلى ارتداء الأحذية ذات الكعب العالي والثياب الضيقة، وظنت بطريقة ما أنها وجدت في فاينمان الأساس الذي يمكن أن تصنع منه الشكل النهائي الذي يروق لها، كانت تريد أن تصنع منه شخصا ذا مظهر خارجي أكثر بريقا ولديه تقدير أفضل للفنون، ولا يصاحب الكثير من علماء الفيزياء.
تزوجا عام 1952. وقال البعض لاحقا إن طلاقهما كان أمرا حتميا، ولكن ليست هناك قواعد حقيقية يمكن للمرء من خلالها التوصل لتنبؤات صحيحة في شئون القلب، مثلما هو الحال في الفيزياء. إلا أن أحد البنود التي طرحت أثناء إجراءات الطلاق كانت كاشفة. فقد قالت عن فاينمان إنه «يبدأ التفكير في حل المسائل الحسابية ما إن يستيقظ من نومه. لقد كان يجري حساباته أثناء قيادة السيارة، وأثناء جلوسه في غرفة المعيشة، وأثناء استلقائه في الفراش ليلا.»
خلال السنوات الأولى التي عاشاها معا، مع استقراره في باسادينا في أعقاب العام الجامح الذي أمضاه في البرازيل، ومع تحول جنته المنزلية شيئا فشيئا إلى جحيم خاص آخر، بدأ يساوره اعتقاد بأنه أخطأ، ليس فقط في اختيار شريكة حياته ولكن أيضا في اختيار الموطن الذي يعيش فيه؛ حتى إنه كتب إلى هانز بيته يناقشه في أمر العودة إلى كورنيل. غير أن إغراء كالتك كان أكبر من إغراء ماري لويز، وبعد زواجهما بأربع سنوات، وفي عام 1956، انفصل عن ماري لويز، لكنه ظل مقيما في باسادينا.
كانت جامعته الجديدة تنمو بسرعة لتصير منافسة لمدرسته الأم في الشرق، معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. كان معهد كالتك يبدو مناسبا له تماما؛ بتميزه المتنامي في النواحي التجريبية والنظرية في ميادين متفاوتة من الفيزياء الفلكية إلى الكيمياء الحيوية وعلم الوراثة، بالإضافة إلى الميول العملية لكلية الهندسة. وقد كان كذلك بالفعل. وبالفعل ظل فيه طوال ما تبقى من حياته.
كان علم الفيزياء يمر بفترة مضطربة في الوقت نفسه الذي واجه فيه فاينمان اضطرابات في حياته الشخصية. فالجسيمات الأولية المكتشفة حديثا من ميزونات وما شابه كانت تتكاثر بجنون داخل معجلات الجسيمات المشيدة حديثا. وكانت حديقة حيوان فيزياء الجسيمات الأولية مكتظة على نحو مربك؛ مكتظة جدا في الواقع إلى حد أنه لم يكن واضحا أي من النقاط المضيئة الجديدة التي تظهر على شاشات أجهزة التسجيل وأي من المسارات الجديدة في غرف الفقاعات قد تمثل بالفعل جسيمات أولية جديدة وأيها يعبر فقط عن إعادة ترتيب لجسيمات موجودة بالفعل.
وعلى الرغم من أن فاينمان انشغل مبكرا في دراسة نظرية الميزونات عندما كان يحاول أن يتقن فهمه للديناميكا الكهربائية الكمية، فقد كان أيضا ذكيا وواقعيا بما يكفي لأن يعرف أن أساليبه الحديثة المعتمدة على المخططات ليست ملائمة لإنجاز المهمة. فلم يقتصر الأمر على أن الكثير من التجارب غير حاسمة فحسب، وإنما كانت التفاعلات بين الجسيمات شديدة القوة عموما بحيث بدا الجهد المنهجي في استخدام مخططات فاينمان لحساب تصويبات كمية صغيرة للعمليات التي تحدث جهدا في غير محله. وقد كتب فاينمان إلى إنريكو فيرمي من البرازيل يقول: «لا تصدق أي عملية حسابية في نظرية الميزون تستخدم مخططات فاينمان!» وفي موضع آخر أشار إلى ميدان فيزياء الميزونات بقوله: «ربما لا توجد دلائل كافية متاحة للعقل البشري كي يتبين النموذج القائم.»
أظن أنه، من وجهة نظره، لم يكن عالم الميزونات التجريبي مستعدا للتفسير بعد، وكانت لديه رغبة في طرق اتجاه فكري جديد، اتجاه ليس محكوما كثيرا بمحاولة حل التعقيدات الرياضية المتشابكة لعالم الكم بقدر ما يحاول مباشرة فهم وشرح نتائجها الفيزيائية. لقد أراد التفكير في شيء يمكنه أن يشعر به ويتعامل معه، لا شيء يعجز عن رؤيته إلا في عقله وحسب. لذا، بعد وقت قصير من وصوله إلى كالتك، تحول فاينمان إلى مشكلة مختلفة تماما في مضمار آخر من علم الفيزياء. فقد شرع في استكشاف عالم الكم للأشياء شديدة البرودة، لا الأشياء بالغة الصغر.
كرس عالم الفيزياء الهولندي كامرلينج أونس، الذي أجرى أبحاثه أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، جهوده طيلة حياته المهنية كلها لفيزياء عالم البرودة القارسة، مبردا الأنظمة لتقترب أكثر وأكثر من درجة الصفر المطلق، وهي درجة الحرارة التي عندها، من وجهة النظر التقليدية على الأقل، تتوقف جميع الحركات الداخلية للذرات. وأثناء قيامه بذلك، توصل لاكتشاف إعجازي عام 1911، فعند درجة حرارة تبلغ 4 درجات فوق درجة الصفر المطلق (وجدير بالذكر أنه وصل في النهاية إلى درجة حرارة أعلى من الصفر المطلق بأقل من درجة واحدة، وهي أبرد درجة حرارة أمكن تحقيقها يوما على سطح الأرض حتى ذلك الحين)، شاهد عملية تحول مذهلة تحدث في الزئبق، حيث بدا فجأة أن التيارات الكهربية تسري دون مقاومة على الإطلاق!
كان العلماء قد تكهنوا من قبل بأن المقاومة الكهربية تقل عند درجات الحرارة المنخفضة جدا، بناء على ملاحظة بسيطة هي أن مثل هذا الانخفاض للمقاومة يحدث أيضا عند درجات حرارة أعلى. وكان كامرلينج نفسه قد تكهن بأن المقاومة تنخفض إلى الصفر عند درجة الصفر المطلق، وهي درجة حرارة لا يمكن الوصول إليها مباشرة في المعمل. غير أن النتيجة المذهلة التي توصل إليها هي أن المقاومة انخفضت فجأة إلى درجة صفر بالضبط عند درجة حرارة متناهية الصغر، لكنها ليست صفرا. وفي حالة كهذه، فإن التيار الكهربي، بمجرد أن يبدأ، لا يتوقف أبدا! وهكذا اكتشف أونس الظاهرة التي أطلق عليها اسم «الموصلية الفائقة».
الطريف أنه عندما فاز أونس بجائزة نوبل بعدها بعامين، لم يكن فوزه بها بسبب هذا الاكتشاف تحديدا، وإنما بشكل عام عن «أبحاثه في خصائص المادة عند درجات الحرارة المنخفضة التي أدت - ضمن أشياء أخرى - إلى إنتاج الهيليوم السائل». فقد أظهرت لجنة نوبل بصيرة غير معتادة (كانت في الواقع من قبيل الصدفة) في سبب منح الجائزة؛ لأنه تبين فيما بعد، لأسباب ما كان لأحد أن يفكر فيها في عام 1913، أن الهيليوم السائل نفسه له خصائص لا تقل إبهارا عن تلك المرتبطة بموصلية الزئبق وغيره من المعادن عند درجات الحرارة المنخفضة جدا. ففي عام 1938، اكتشف أن الهيليوم السائل، عند تبريده بقدر كاف، يسفر عن ظاهرة تعرف باسم «الميوعة الفائقة»، وهي ظاهرة تبدو أكثر غرابة من ظاهرة الموصلية الفائقة. ومرة أخرى، وعلى نحو لا يقل إبهارا، من المرجح أن كامرلينج أونس برد الهيليوم السائل إلى درجات حرارة صار عندها فائق الميوعة، لكنه لم يعلق على تلك الظاهرة العجيبة.
Page inconnue