Richard Feynman : sa vie dans les sciences
ريتشارد فاينمان: حياته في العلم
Genres
علاوة على ذلك، عندما قدم زميل أوبنهايمر الحاصل على الدكتوراه بحثه في اليوم التالي، لم يستطع فاينمان مقاومة رغبته في إهانة أوبنهايمر. وبعد أن قدم الباحث، واسمه كيس، محاضرته، نهض فاينمان ليعلن على نحو ارتجالي أنه لا بد أن يكون مخطئا، إذ صار قادرا على القول عن بحث سلوتنيك «إن عملية حسابية بسيطة تبين أنه صحيح».
هذه الواقعة لم تضرم النار الضرورية لإقناع فاينمان بأن عليه أن ينشر ما توصل إليه من نتائج فحسب، وإنما أرغمته كذلك على ابتكار الأدوات التي تتيح له تقديم أبحاثه بأسلوب يستطيع بواسطته باقي أعضاء مجتمع الفيزياء فهمها. في المقام الأول، شعر فاينمان بضرورة فهم ما أخطأ فيه كيس. لكن لكي يفعل ذلك، كان عليه أولا أن يفهم بالضبط ما قام به كيس، وكان هذا عسيرا عليه إذ إن كيس استخدم الأساليب التقليدية لنظرية مجال الكم، التي كان فاينمان يتجاهلها حتى تلك اللحظة. وأثناء تعلم فاينمان تلك الأساليب، من أحد طلبة الدراسات العليا في كورنيل، لم يتمكن فحسب من اكتشاف الخطأ الذي وقع فيه كيس، وإنما حقق أيضا مكسبا إضافيا من استثماره لذلك الوقت؛ لقد استطاع أخيرا فهم عمليات الفراغ بطريقة لم تتيسر له من قبل. ولعب فهمه الجديد دورا حيويا في عرضه لأول أبحاثه الملحمية في الديناميكا الكهربائية الكمية، «نظرية البوزيترونات».
بعدها، ومع معرفته المكتسبة حديثا بنظريات الميزون، التي كانت في غاية الشهرة حينها، تمكن فاينمان من صياغة قواعده البيانية لتلك النظريات وإعادة التوصل بسرعة لكل النتائج التي توصل إليها فيزيائيون آخرون على مر السنين. وقد أوجز تلك النتائج في بحثه الكلاسيكي التالي: «نهج زمكاني لفهم الديناميكا الكهربائية الكمية»، فأثارت الاهتمام دون شك في أوساط مجموعة كبيرة من الفيزيائيين الذين كانوا يناضلون من أجل فهم تلك الجسيمات الجديدة المتفاعلة بعضها مع بعض بقوة.
ولما تعرض للاستفزاز في مؤتمر بوكونو، حيث أفسد الأمور تماما في المحاضرة التي ألقاها، قرر أن يبدأ أولا بنشر أساليبه الحسابية البيانية بأسلوب متماسك، ثم يعرض الأسس الرياضية الرسمية فيما بعد. ولما كان يدرك أن النهج الزمكاني «جاء من مكان بعيد بعيد»، كتب في مقدمة بحثه يقول: «أسلوب لاجرانج ... عدل بما يتفق مع متطلبات معادلة ديراك وظاهرة نشوء الأزواج. وقد صار هذا الأمر أسهل عن طريق إعادة تفسير نظرية الفجوات. وأخيرا من أجل الحسابات العملية ابتكرت التعبيرات في سلسلة أسية ... كان من الواضح أن كل حد في السلسلة له تفسير فيزيائي بسيط. ولما كان فهم النتيجة أيسر من فهم الاشتقاق، فقد ظننت أن أفضل ما أفعله هو نشر النتائج أولا في هذا البحث.»
وعلى الرغم من أن فاينمان قلل إلى أدنى حد الدوافع النظرية والرياضية في عرضه المبدئي هذا، والذي أدرك أنه لا يمكن بحال أن «يحمل اليقين الراسخ بالحقيقة الذي يأتي مصاحبا لعملية الاشتقاق»، فقد أوضح مع ذلك للقارئ الميزة الواضحة لأساليبه. فعند مقارنة النهج الزمكاني الذي ابتكره بالنهج التقليدي؛ النهج «الهاميلتوني»، للتعامل مع نظرية ديراك النسبية في مقابل نظرية شرودينجر غير النسبية، كتب يقول: «وكنقطة إضافية أقول إن الثبات النسبي سيكون بديهيا واضحا بذاته. إن الشكل الهاميلتوني للمعادلات يطور المستقبل من الحاضر الآني. غير أنه من منظور راصدين مختلفين في حالة حركة نسبية، يكون الحاضر الآني مختلفا، ومتفقا مع قطع مختلف ثلاثي الأبعاد من الزمكان ... وعن طريق نبذ النهج الهاميلتوني، يمكن التوفيق بين النسبية وميكانيكا الكم على نحو طبيعي إلى أقصى حد.»
على امتداد العام التالي، أتم فاينمان البحثين المتبقيين الضروريين لتقديم اشتقاق شامل وأكثر دقة ورسمية لنتائجه، مستخدما نوعا جديدا من الأساليب الحسابية ابتكره، وليوضح رسميا تكافؤ أساليبه مع أساليب نظرية مجال الكم التقليدية. وبنشر أبحاث فاينمان الأربعة، اكتملت بذلك قصة الديناميكا الكهربائية الكمية على نحو جوهري. وما بدأ في صورة رغبة راودته عندما كان لا يزال طالبا بالدراسات العليا في إعادة صياغة الديناميكا الكهربائية الكمية كنظرية بدون أي قيم لانهائية، تطور ليصبح منهجا دقيقا يتسم بكفاءة مذهلة للتغلب على قيم ما لانهاية للحصول على نتائج يمكن مقارنتها بالتجارب.
لم يفقد فاينمان تمييزه للفارق بين الأمل والواقع. وفي جميع أجزاء أبحاثه الأربعة - مع تأكيده على الإنجاز الذي جسدته - عبر فاينمان عن شعور واضح بالإحباط. فعند مقارنة أساليبه الحسابية بأساليب شفينجر على سبيل المثال، كتب يقول عن الزمكان: «على الرغم من أن المنهجين يتفقان معا، فإن أيا منهما لا يبدو مرضيا تماما من الناحية النظرية. غير أنه يبدو واضحا أن لدينا الآن طريقة مكتملة ومحددة لحساب العمليات الفيزيائية من أي مرتبة في الديناميكا الكهربائية الكمية.»
على مدار السنوات العديدة السابقة على عام 1965، وحتى خلال ذلك العام الذي فاز فيه بجائزة نوبل عن أعماله، ظل فاينمان يشعر بأن أساليبه مفيدة فحسب، لكنها ليست بالغة التأثير. فهو لم يمط اللثام عن خصائص أساسية جديدة للطبيعة من شأنها أن تخلص النظرية من قيم ما لانهاية، وإنما عثر فحسب على طريقة تتيح تجاهل تلك القيم بأمان. كان يشعر أن الأمل الحقيقي - في أن يؤدي تكامل المسارات إلى الكشف عن أشياء جديدة في فهمنا الأساسي للطبيعة يرجو أن تعالج مشكلات فيزياء الكم النسبية - لم يصبح حقيقة ملموسة بعد. وعلى حد تصريحه لجريدة طلابية في يوم الإعلان عن جوائز نوبل : «كان الهدف من وراء نشر بحثي عام 1949 إتاحة تلك الطرق المبسطة في الحساب بشكل أكبر للجميع، فقد كنت لا أزال أظن أنني لم أحل أي مشكلات حقيقية ... وكنت لا أزال أنتظر أن يأتي يوم أصل فيه إلى نهاية لفكرتي الأصلية ... وأن أحصل على إجابات ذات قيم محددة، وأن أخرج هذا الإشعاع الذاتي وأن أقوم دوائر الفراغ وغيرها ... وهو ما لم أتمكن من تحقيقه مطلقا.» وعلى حد وصفه لاحقا في خطاب تسلم جائزة نوبل: «هذا يكمل قصة تطور النظرة الزمكانية للديناميكا الكهربائية الكمية. وإني لأتساءل هل يمكننا أن نتعلم منها أي شيء. أشك في ذلك.»
إلا أن التاريخ سيبرهن في نهاية المطاف على عكس ذلك.
الجزء الثاني
Page inconnue