Richard Feynman : sa vie dans les sciences
ريتشارد فاينمان: حياته في العلم
Genres
حبيبي ريتشارد، كم أحبك ... ما زال أمامنا المزيد لنتعلمه في لعبة الحياة والشطرنج تلك التي نعيشها، ولست أريدك أن تضحي بأي شيء من أجلي ... أعلم أنك حتما تعمل بكد شديد لكي تنتهي من أطروحتك، وأنك تحل مشكلات أخرى على هامش ذلك، وأنا في غاية السعادة لأنك ستنشر شيئا ما، فسوف أبتهج كثيرا عندما يحظى عملك بالتقدير، وأريدك أن تستمر فيما تفعل وتقدم للعالم والعلم كل ما تستطيع تقديمه ... وإذا تلقيت أي نقد فتذكر أن كل إنسان يحب بطريقة مختلفة.
لقد عرفت آرلين ريتشارد كما لم يعرفه شخص آخر، وبهذا كانت تمتلك القدرة على احتوائه وعلى دفعه للأمام ليظل متمسكا بمعتقداته. وكانت أهم هذه المعتقدات هي الصدق وشجاعة اتخاذ قراراته بنفسه. وكان عنوان أحد كتب السيرة الذاتية التي كتبها: «وما يضيرك فيما يعتقده الآخرون؟» هو السؤال الذي كانت تكرره عليه كثيرا عندما تجده في لحظة تردد أو خوف، ومثال ذلك أنها أرسلت له ذات مرة علبة أقلام رصاص نقش على كل واحد منها عبارة: «حبيبي ريتشارد، أحبك! بوتسي!» (وكان اسم «بوتسي» هو الاسم الذي يدللها به)، ثم رأته ذات مرة يكشط كلمات العبارة خشية أن يراها البروفسور ويلر أثناء عملهما معا. ويرجع الفضل الأكبر في امتلاك فاينمان لشجاعة التمسك بمعتقداته، ومن ثم شجاعة أن يسير في طريقه الخاص في الحياة، من الناحية الفكرية وغيرها، إلى آرلين وإلى ذكراها.
وفي حين كان ميلفيل فاينمان مهتما بحياة ابنه المهنية، كانت والدته، لوسيل، مهتمة بالقدر نفسه بحياة ابنها الشخصية. لقد أحبت آرلين بكل تأكيد، ولكنها كتبت إلى ريتشارد قرب انتهائه من دراساته العليا، كأم يهودية تقليدية، تعبر له عن قلقها من أن آرلين سوف تكون عقبة في طريق عمله وعثوره على وظيفة وعلى أوضاعه المالية؛ فمرض آرلين سوف يتطلب رعاية خاصة، ووقتا، ومالا، وكانت لوسيل تخشى أن ريتشارد لا يمتلك ما يكفي من أي من هذه الأشياء.
ورد ريتشارد على خطاب أمه قبل أسابيع من نيله درجة الدكتوراه وزواجه من آرلين، في يونيو عام 1942، بفتور ملحوظ قائلا:
لست غبيا بما يكفي لأن أربط حياتي المستقبلية بأسرها بوعد قطعته في الماضي في ظل ظروف مختلفة ... إنني أريد الزواج من آرلين لأنني أحبها، وهذا يعني أنني أريد الاعتناء بها. هذا كل ما في الأمر ...
غير أن لدي رغبات وأهدافا أخرى في الحياة بالطبع. وأحد هذه الأهداف هو أن أسهم بأكبر قدر أستطيعه في علم الفيزياء. وهذا، في عقلي، أكثر أهمية من حبي لآرلين.
لذا فمن حسن الطالع أن زواجي - كما أرى (أظن) - لن يعيق عملي إلا قليلا، هذا إن أعاق من الأساس هدفي الرئيسي في الحياة. إنني واثق من أنني أستطيع القيام بكلا الأمرين في وقت واحد. (بل إن هناك احتمالا أن السعادة المترتبة على الزواج، والتشجيع والمشاركة العاطفية المستمرين من جانب زوجتي، سوف يدعمان جهودي، لكن الحقيقة هي أن حبي لم يؤثر كثيرا في الماضي على عملي بالفيزياء، ولا أعتقد حقا أنه سيكون شديد التأثير في المستقبل.)
ولأنني أشعر أنني أستطيع الاستمرار في مهمتي الرئيسية، في الوقت نفسه الذي أستمتع فيه ببهجة الاعتناء بشخص أحبه، فإنني أنوي الزواج في غضون وقت قصير.
وسواء أثر حبه على عمله بالفيزياء أم لا، فإن آرلين عززت بوضوح عزمه على متابعة أفكاره أيا كان ما يمكن أن تؤدي إليه. لقد أسهمت في ضمان استقامته الفكرية، ومع أن كلمات خطابه بدت باردة وفاترة إلى حد ما، لكن لو كانت آرلين قد قرأتها لكانت شعرت بالتشجيع بسببها؛ لأن هذه الكلمات عكست نوع التفكير العقلاني الذي أرادت بشدة تعزيزه في الرجل الذي أحبته واحترمته إلى أبعد الحدود.
ولعلها كانت ستتأثر أيضا بالقدر نفسه بحدث يخلع الفؤاد وقع بعد وقت طويل من ذلك الوقت، في يوم وفاتها في 16 يونيو 1945، وقبل ستة أسابيع من إلقاء القنبلة الذرية التي شارك ريتشارد في صنعها على هيروشيما. فبعد أن لفظت أنفاسها الأخيرة في غرفة المستشفى، قبلها ريتشارد، وسجلت الممرضة وقت الوفاة في الساعة 9:21 مساء. وبعدها اكتشف ريتشارد أن المنبه الموضوع إلى جوار فراشها توقف عند ذلك الوقت بالضبط! ولعل عقلا أقل منطقية كان سيجد في هذا الأمر سببا لتأثر أو إلهام روحي، وهو نوع الظواهر الذي يجعل الناس يؤمنون بنوع من الذكاء الكوني الأعلى. ولكن فاينمان كان يعلم أن المنبه عرضة للعطب لأنه كان قد أصلحه عدة مرات، ففكر أن الممرضة لا بد التقطته حين أرادت معرفة وقت وفاة آرلين فتسببت في توقفه عن العمل. وسيبدي فاينمان نفس النوع من التركيز الذهني والعزم على مواصلة الطريق الذي بدأه عام 1941، وهو طريق كان من شأنه أن يغير بعمق وعلى نحو دائم طريقة تفكيرنا في العالم. •••
Page inconnue