Richard Feynman : sa vie dans les sciences
ريتشارد فاينمان: حياته في العلم
Genres
ذات يوم اتصلت بي سكرتيرة فاينمان، هيلين تاك، لتخبرني في هدوء أن «ديك» مصاب بالسرطان وأنه سوف يدخل المستشفى لإجراء عملية يوم الجمعة القادم ... وفي يوم الجمعة ذلك، أي قبل إجراء العملية بأسبوع واحد ... أخبرته أن شخصا ما اكتشف خطأ واضحا في عملية حسابية كنا أجريناها من قبل ... ولم أكن أعرف ما الخطأ. وسألته إن كان لديه استعداد لقضاء بعض الوقت معي في البحث عنه، فأجابني قائلا: «بالتأكيد.» والتقينا صباح يوم الاثنين في مكتبي فجلس وبدأ العمل ... كنت معظم الوقت مكتفيا بالجلوس أنظر إليه، وأحدث نفسي قائلا: «انظر هذا الرجل. إنه مقبل على هاوية لا قرار لها، ولا يعلم إن كان سيعيش حتى نهاية الأسبوع أم لا، وها هو يعمل على حل تلك المشكلة التي لا قيمة حقيقية لها في نظرية المرونة ذات البعدين.» لكنه كان مستغرقا في المشكلة، وظل عاكفا على بحثها طيلة اليوم ... وأخيرا وفي الساعة السادسة مساء، قرر أن المشكلة مستعصية على الحل ... لذا استسلمنا وذهب كل منا إلى منزله ... وبعدها بساعتين، اتصل بي هاتفيا في منزلي ليقول لي إنه تمكن من حل المشكلة. لم يتمكن من الكف عن بحث حل المسألة، وأخيرا اكتشف حل تلك المشكلة شديدة الغموض ... وكان جذلا وكأنه يحلق في الفضاء ... كان ذلك قبل موعد إجراء العملية الجراحية بأربعة أيام. وأعتقد أن هذه القصة تحكي القليل عما كان يحفزه على تحقيق كل ما أنجزه.
كانت عملية حل المشكلات نفسها هي ما يهواه فاينمان. لقد كانت تمثل له التحرر من ملل الحياة. كان ستيفن وولفرام، مبتكر برنامج «ماثيماتيكا»، تلميذ فاينمان طوال سنوات عديدة أثناء دراسته في كالتك، وقد وصف شيئا مشابها بقوله:
كان ذلك عام 1982 على الأرجح. كنت في زيارة لفاينمان في منزله، وتطور حديثنا إلى موقف مزعج كان قائما. كنت على وشك مغادرة المنزل، واستوقفني قائلا: «أتعلم، أنا وأنت محظوظان للغاية؛ فمهما كان ما يحدث، فالفيزياء دائما تجمعنا.» ... كان فاينمان يعشق الفيزياء. وأعتقد أن أكثر ما أحبه فيها هو العمليات الفيزيائية، والعمليات الحسابية، ومعرفة الحقائق ... لم يكن يهتم كثيرا بأن تكون النتائج التي يتوصل إليها عظيمة أو مهمة. أو غريبة أو شاذة. كان ما يعنيه حقا هو عملية التوصل إليها ... فبعض العلماء (ولعلي من بينهم) يدفعهم طموح بناء صروح فكرية عظيمة. وأعتقد أن أكثر ما كان يحفز فاينمان - على الأقل خلال سنوات معرفتي به - هو ذلك السرور المحض المستمد من ممارسة العلم فعليا. لقد بدا كمن يفضل قضاء وقته في التعرف على الأشياء، وإجراء الحسابات. وكان فذا في إجراء الحسابات. بل لعله كان أفضل حاسب بشري على الإطلاق. دائما ما كنت أعتبر ذلك شيئا لا يصدق. كان يبدأ في حل مسألة ما، فتجده يملأ صفحات تلو صفحات بالعمليات الحسابية. وفي نهايتها، يصل بالفعل للحل الصحيح! لكنه عادة كان لا يقنع بهذا. فبمجرد توصله إلى الحل، يعود من جديد ويحاول معرفة سبب كونه صحيحا.
عندما كان فاينمان يهتم بأمر ما، أو بشخص ما، تكون المسألة بهذا قد انتهت. كان تأثيره مغناطيسيا؛ إذ كان يركز كل طاقته، وكل تركيزه، وكل عبقريته فيما يبدو على ذلك الشيء أو الشخص. ولهذا السبب تأثر كثيرون عندما جاء فاينمان للاستماع لندواتهم العلمية وبقي بعد انتهائها كي يطرح بعض الأسئلة.
ولأن ردود فعل زملاء فاينمان تجاهه كانت بصفة عامة بالغة القوة، فقد كانت تعكس دائما شخصية فاينمان وكذلك شخصية زملائه. فعلى سبيل المثال، سألت ديفيد جروس وفرانك ويلكزيك، وهما شخصان مختلفان تماما اكتشفا «الحرية المتقاربة» في الديناميكا اللونية الكمية، عن طريقة تعامل فاينمان مع الديناميكا اللونية الكمية والنتائج التي توصلا إليها عام 1973. فأخبرني ديفيد أنه شعر بالضيق لأن فاينمان لم يبد اهتماما كافيا، ويعود ذلك بقدر كبير - حسبما شعر ديفيد - إلى أن فاينمان لم يكن هو من توصل للنتيجة بنفسه. وبعدها، عندما تحدثت مع فرانك في نفس الموضوع، أخبرني عن مدى شعوره بالفخر والدهشة معا للاهتمام الذي أبداه فاينمان. وقال إن فاينمان كان متشككا في الأمر، لكن في تلك السنوات المبكرة، ظن فرانك أن هذا كان هو رد الفعل المناسب. وأظن أن كليهما كان على صواب.
أما القصة الأكثر تأثيرا وتعبيرا عن شخصية ريتشارد فاينمان الذي عرفته من خلال تأليفي لهذا الكتاب، والمبادئ التي كانت توجه مسار حياته وتوجه طبيعة الفيزياء التي مارسها، فقد رواها لي صديق هو باري باريش، الذي كان من زملاء ريتشارد في كالتك خلال السنوات العشرين الأخيرة من حياته. كان باري وريتشارد يسكن أحدهما بالقرب من الآخر نسبيا، لذا كانا كثيرا ما يرى أحدهما الآخر. ولما كانا يسكنان على بعد يقرب من ثلاثة أميال من الحرم الجامعي، فقد كانا يذهبان إليه سيرا على الأقدام أحيانا بدلا من استخدام السيارة، وفي بعض الأحيان كانا يسيران معا، وفي أحيان أخرى يذهب كل منهما بمفرده. وذات مرة سأل ريتشارد باري هل رأى منزلا معينا في شارع محدد وما رأيه فيه. ولم يتعرف باري على المنزل لأنه - مثل معظم الناس - عثر على طريق يفضل السير فيه وكان يسلك ذلك الطريق في الذهاب إلى العمل والإياب منه كل يوم. وحينها علم باري أن ريتشارد كان حريصا على أن يفعل العكس تماما. لقد كان يحاول ألا يسلك المسار نفسه مرتين أبدا.
شكر وتقدير ومراجع
كما أشرت في المقدمة، كان أحد أسباب موافقتي على تأليف هذا الكتاب، بعد أن طرح علي الفكرة جيمس أطلس، هو أنه أتاح لي الفرصة والحافز كي أعود إلى الماضي وأقرأ - بمستويات متباينة من التفصيل - جميع الأبحاث العلمية التي كتبها فاينمان. كنت أعلم - باعتباري فيزيائيا - أن تلك التجربة ستكون ملهمة لي وستتيح لي فهما أفضل للمسار الفعلي لتاريخ الفيزياء، بدلا من الاعتماد على النسخة المنقحة التي تظهر حتما أثناء تنقيح الفيزيائيين وتبسيطهم للأساليب والتقنيات التي كانت مبهمة في وقت من الأوقات.
غير أنني لا أزعم مطلقا أنني أنجزت أي نوع من الدراسات التاريخية الأصيلة. فعلى الرغم من أنني تتبعت بعض الاستقصاءات التاريخية التي جرت في الماضي - وهو ما تطلب مني التوجه إلى سجلات المحفوظات والبحث والتنقيب في الخطابات وغيرها من الوثائق الأصلية - ففي حالة ريتشارد فاينمان، كانت الغالبية العظمى من المادة الأساسية التي كنت بحاجة إليها مجموعة ومبوبة بصورة لطيفة ومتوافرة لدي في صورة مطبوعة. وعندما يضاف إلى ذلك كتابان غير عاديين، أحدهما يركز في المقام الأول على حياة فاينمان والآخر على تاريخ فيزيائي مفصل لبحثه في الديناميكا الكهربائية الكمية، فإن القارئ المهتم بسيرته والمدرب فنيا يمكنه أن يصل مباشرة إلى معظم المادة التي استعنت بها كأساس لهذا الكتاب.
وبعيدا عن تلك المصادر فإنني أشعر بعظيم الامتنان لكثيرين من زملائي الفيزيائيين للمناقشات التي أجريتها معهم حول انطباعاتهم وتجاربهم الشخصية التي جمعتهم بفاينمان. ومن بين هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر: شيلدون جلاشو، وستيفن واينبرج، وموراي جيلمان، وديفيد جروس، وفرانك ويلكزيك، وباري باريش، ومارتي بلوك، وداني هيليس، وجيمس بيوركن. وإضافة إلى هؤلاء، أود التعبير عن شكري لهارش ماثر لمعاونته، التي كثيرا ما قدمها لي، إذ كان مرشدا أساسيا لي نحو أدبيات المادة الكثيفة، وفي حالتنا هذه تحديدا، نحو البحث الذي أجراه فاينمان في ذلك الميدان.
Page inconnue