قال: ولقد كره أهل العلم صرف الفلوس بالنظرة، وأنزلوها في صرفها وبيعها بعضها ببعض بمنزلة الدراهم، كرهوا أن يصرف بالدنانير والدراهم إلا يدا بيد، وكرهوا أن يباع الفلس بالفلسين، والقليل منهما بالكثير، إلا الواحد بالواحد، والعدد بالعدد مثله، وكرهوا بيعها بالنحاس المكسور، والمعمول نقدا، وإلى أجل، ولقد سئل مالك عن رجل اشترى ثوبا بدرهمين ودانق، وهو سدس درهم، فأراد أن يقضي بالدانق فلوسا، فكره ذلك مالك، وقال: "لا خير فيه"، وذلك أن المزابنة تدخله، وكره مالك أيضا بيعها مراطلة وموازنة ومجازفة؛ لأنها إنما تجوز بعيونها، وليس بوزنها، فإذا بيعت مجازفة أو موازنة، فقد دخلها الفضل في عددها؛ لأن بعضها في الوزن أثقل من بعض، وخالفت الدراهم في الموازنة؛ لأن الدراهم إنما تجوز بوزنها وعيونها جميعا، والفلوس إنما تجوز بعيونها، ولا يلتفت إلى وزنها، فلا يجوز بيعها بعضها ببعض إلا عددا بعدد مثله، ويدا بيد، ولا يجوز أن تسلف فيها الدراهم والدنانير إلى أجل، ولا يصرف نظرة، كما أعلمتك؛ لأن لها جوازا كجواز الدراهم، فهي شبيهة بها في كراهة النظرة في صرفها، وليس تحريمها في ذلك كتحريم الدراهم، إلا أن أهل العلم كرهوا ذلك منهم؛ ربيعة بن أبي عبد الرحمن، ويحيى بن سعيد، ومالك بن أنس، والليث بن سعيد، وأصحاب مالك كلهم.
Page 81