عودة الحجاب القسم الأول معركة الحجاب والسفور جمع وترتيب محمد أحمد اسماعيل المقدم غفر الله له ولوالديه وللمسلمين توزيع دار الصفوة

1 / 1

جميع الحقوق محفوظة للناشر الطبعة العاشرة ١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧م توزيع دار الصفوة ت: ٠١٠١٩٩٩٥٥٥ E-mail.ddarelsafwah@yahoo.com الناشر دار طيبة للنشر والتوزيع

1 / 2

مقدمة الطبعة الثالثة الحمد لله الذي اخمد ذكر الطواغيت فصار بعز التوحيد والإسلام مطموسًا وأذل بقهره منهم أعناقًا ورؤوسًا وصرف عن أهل طاعته بلطفه وإسعاده أذى وبوسًا ورفع كيد شياطين الإنس والجن عن قلوب أهل الإيمان فأصبح عنها محبوسًا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص في معتقده وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى اللهم وسلم عليه وعلى آله وصحبه وعلى سائر التابعين مقصده الصابرين من البلاء على أشده. أما بعد: فما أشد حاجتنا إلى إعادة النظر في تقويم الرجال بعد رحلة الشقاء التي تركت قلوبنا مجرحة وأيدينا مرتعدة وسيوفنا ملثمة تلك الرحلة التي قام فيها على امرنا فريق التحف الإسلام وتبطن الكفر حمل بين فكيه لسانًا مسلمًا وبين جنبيه قلبًا كافرًا مظلمًا حرص كل الحرص على أن يطفئ نور الإسلام ويهدم عز المسلمين فلم يجد أعون له على هذا الغرض السيئ من أن يقدم لنا الكفر والفسوق والعصيان في ثوب إسلامي ويتولى تزيينه لنا سدنته من الزعماء وربائبه من المفكرين فكانت النتيجة ركامًا ضحلًا تافهًا مظلمًا من المبادئ التي أخذناها لنستر بها عُريَنا فعرينا! والمناهج التي اقتبسناها لننسج بها آمالنا فنسجنا بها أكفاننا!

1 / 3

(إن كثيرًا ممن نعتبرهم اليوم دعائم النهضة الحديثة لم يصبحوا كذلك في أوهام الناس إلا بسبب الدعايات المغرضة التي أرادت أن تضعهم في هذه المنزلة لتحقق بذلك أغراضها في نشر مذاهبهم والتمكين لأرائهم ولأن كثيرًا من الآراء المنحرفة التي لم تكن تستطيع أن تجد طريقها إلى الفكر الإسلامي وإلى مجتمعاته قد أصبح قبولها ممكنًا بنسبتها إلى هذه الزعامات وإلى هؤلاء الأئمة الذين لا يتطرق إلى الناس شك في إخلاصهم وعلمهم والواقع أن كثيرًا من هؤلاء الرجال قد أحيطوا بالأسباب التي تبني لهم مجدًا وذكرًا بين الناس ولم يكن الغرض من ذلك خدمتهم ولكن الغرض منه كان ولا يزال هو خدمة المذاهب والآراء التي نادوا بها والتي وافقت أهداف الاستعمار ومصالحه وخطة الاستعمار واليهودية العالمية في ذلك كانت تقوم - ولا تزال - على السيطرة على أجهزة النشر التي نسميها الآن " الإعلام " وإلقاء الأضواء من طريقها على كُتاب ومفكرين من نوع خاص يبنون وينشئون بالطريقة التي يبني بها نجوم التمثيل والرقص والغناء بالمداومة عن الإعلان عنهم والإشادة بهم وإسباغ الألقاب عليهم ونشر أخبارهم وصورهم وذلك في الوقت الذي يُهمل فيه الكتاب والمفكرون الذين يمثلون وجهات النظر المعارضة أو تُشوه آراؤهم وتُسفه ويُشهَّر بهم ثم هي تقوم على تكرار آرائهم آنًا بعد آن لا يملون من التكرار لأنهم يعلمون أنهم يخاطبون في كل مرة جيلًا جديدًا أو هم يخاطبون الجيل نفسه فيتعهدون بالسقي البذور التي ألقوها من قبل. ونحن حين ندعو إلى إعادة النظر في تقويم الرجال لا نريد أن ننقص من قدر أحد ولكننا لا نريد أن تقوم في مجتمعنا أصنام جديدة معبودة لأناس يزعم الزاعمون أنهم معصومون من كل خطأ وأن أعمالهم كلها حسنات لا تقبل القدح والنقد حتى أن المخدوع بهم والمتعصب لهم والمروج لآرائهم ليهيج ويموج إذا وصف أحد الناس إمامًا من أئمتهم بالخطأ في رأي من آرائه في الوقت الذي لا يهيجون

1 / 4

فيه ولا يموجون حين يوصف أصحاب رسول الله ﷺ ورضي الله عنهم بما لا يقبلون أن يوصف به زعماؤهم " المعصومون "! ويحتمون بحرية الرأي في كل ما يخالفون به إجماع المسلمين ويأبون على مخالفيهم في الرأي هذه الحرية يخطئون كبار المجتهدين من أئمة المسلمين ويجرحونهم بالظنون والأوهام ويثورون لتخطئة ساداتهم أو مواجهتهم بالحقائق الدامغة) اهـ (١) - ويرهق كثير من الكتاب عقولهم في تحديد هوية أولئك المتآمرين وهذا لا مبرر له إذ يكفينا أنهم (كارهون لما أنزل الله) فلا نبالي حينئذ أن يكونوا حقًا صنائع اليهودية أو الصليبية أو الماسونية أو الشيوعية لأن الكفر مهما تعددت ألوانه فهو كفر ينبغي محاربته واستئصاله ودين الشيطان لا يعرف الجنسية. - وهؤلاء الذين ما يزالون يتعامَون عن رؤية الواقع الصارخ الذي يؤكد أن هناك مؤامرة وتدبيرًا خفيًا يستهدف القضاء على الإسلام - غافلون مخدوعون بأصحاب القفازات الحريرية الذين هم " من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ". إن من الغفلة أن نعمى عن أعداء ديننا بل ونتخذهم أولياء من دون المؤمنين وهم - في ذات الوقت - لا يدخرون وسعًا في تحطيم مقومات الأمة وتنفيذ مخططات أعدائها: بأبي وأمي ضاعت الأحلام أم ضاعت الأذهان والأفهام من حاد عن دين النبي محمد أله بأمر المسلمين قيام إن لا تكن أسيافهم مشهورة فينا فتلك سيوفهم أقلام (٢) - وإذا كنا بصدد الحديث عن المؤامرة على المرأة المسلمة كجزء من مشروع استعماري شامل لتغيير وجه الحياة في مصر واقتلاع المجتمع الإسلامي من

(١) (الإسلام والحضارة الغربية) للدكتور محمد محمد حسين ﵀، ص (٤٧-٤٩) بتصرف. (٢) (غذاء الألباب بشرح منظومة الآداب) لمحمد بن أحمد السفاريني (٢/١٤) .

1 / 5

جذوره فلا ريب يستوقفنا مواقف رضعاء ألبان الغرب والشرق الذين غسلت أدمغتهم في دهاليز الكفر وترعرعوا في كنف الإلحاد وعادوا إلى بلادنا لترتفع على أكتافهم أعمدة الهيكل العلماني من هنا كان لابد من وقفات معهم تبين بالوثائق والأدلة موقفهم من الإسلام وعليه موقف الإسلام منهم. ولئن كان هناك رجال وقفوا حياتهم على هدم الإسلام فلابد أن يكون مصيرهم الهدم ومن عجيب أمر بعض السذج أنهم تأخذهم بأولئك الهدامين رأفة في دين الله وينكرون على من يكشف كيدهم قائلين: " وما يدريك لعلهم تابوا! ففلان حج أو اعتمر وفلان بنى مسجدًا وفلان أعلن أنه يستمع إلى إذاعة القرآن الكريم "! نقول: هذا فهم قاصر لمعنى التوبة في حق هؤلاء فإن من شرط توبتهم أن يتوبوا عن مظالمهم وان يقلعوا عن غيهم ويتبرأوا مما بدر منهم في حق دين الحق ويندموا على ما بارزوا به الإسلام والمسلمين ويعلنوا ذلك على الملأ. وقد يقول قائل: " لعلهم تابوا ولكن حيل بينهم وبين إعلان توبتهم " نقول: هذا محتمل وقد قال الله تعالى: ﴿إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق﴾ البروج (١٠) وقال ﷺ: (..... وإنما الأعمال بالخواتيم) (٣) والخواتيم مغيبة فلهذا كان من أصول أهل السنة عدم الحكم لمعين بالجنة ولا الحكم على معين بالنار إلا بنص من الوحي ولكن هذا لم يمنعهم من أن يجروا أحكام الإسلام على من كان يظهر الإسلام في الدنيا وأحكام الكفر على من أظهره في الدنيا وانشرح به صدره ولم يمنعهم ذلك أيضًا من أن يحذروا من ضلال المضلين وتلبيس الملحدين مع علمهم بأن الخواتيم مغيبة إذ إن ذلك من واجبات الديانة.

(٣) قطعة من حديث رواه الشيخان - انظر " جامع الأصول " (١٠/٢٢٠- ٢٢١) .

1 / 6

وحينما نعرض الوثائق التاريخية التي تنطق بإدانة أولئك المتمسلمين الذين رفعوا عقيرتهم بالصد عن سبيل الله فإن مقصودنا الأول هو تحذير المسلمين من ضلالهم أما القطع بخاتمة شخص معين أو الحكم عليه بجنة أو نار فهذا لا يملكه إلا العزيز الغفار. ومن هنا يتضح لك الجواب عما رمانا به أحد " عُباد الصليب " وقد أخذته الحمية وتدفقت من قلبه الغيرة على شخصيات تناولها البحث بالنقد فكتب في (الأهرام) تحت عنوان: " تشويه العظماء ": (إن محاولات هؤلاء المتخلفين وهجماتهم لم تقتصر على أعلامنا الأحياء بل امتدت لتشمل روادنا الراحلين أي أن حقد المتخلفين لم يقف احترامًا للموت بل استطاع أن يتجاوز حواجزه حتى ينفث سمومه هناك حيث رحاب الله وانهالت عليهم تهم الإلحاد والكفر والزندقة وكأن هؤلاء المتخلفين قد ورثوا بابوات روما في العصور الوسطى المظلمة في منح صكوك الغفران لمن يحبونه وحجبها عمن يحقدون عليهم!! (قلت: أنت أدرى!!) . وقد آن الأوان ليعلم هؤلاء المتخلفون الجهلاء أن السلطة الوحيدة التي تملك حق اتهام الآخرين على وجه هذه الأرض هي السلطة القضائية وذلك بناء على قرائن وشواهد محددة أما أن يتخيل جاهل متخلف أن في قدرته تحديد الذاهبين إلى الجنة والساقطين في الجحيم فإنه بهذا يتدخل في إرادة الله ﷾ اهـ ولا أجد جوابًا عليه إلا أن أنقل قوله: (ولكي ندرك خطورة ما يجري الآن فلنا أن نتخيل حياتنا الثقافية بدون طابور روادنا العظام ابتداء برفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وقاسم أمين وهدى شعراوي ولطفي السيد وطه حسين، ... وسلامة موسى ومحمد مندور وانتهاءً بتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وزكي نجيب محمود

1 / 7

ولويس عوض وأمينة السعيد وعبد الرحمن الشرقاوي وحسين فوزي ويوسف إدريس وأحمد بهاء الدين وغيرهم ممن حملوا شعلة الثقافة المستنيرة عبر ما يزيد عن قرن ونصف من الزمان) اهـ ثم أتساءل: ما هو الذي يجمعك يا عابد الصلبان مع هؤلاء الرواد " العظام " سوى وحدة الهدف؟ إن وثائق الإدانة لهؤلاء الرواد العظام (!) تتزاحم أمامي الآن كل منها يستبق ليحتل السطور القليلة في هذه المقدمة ولكني أرجئ أغلبها وأتخير وثيقة واحدة وهي عبارة مظلمة نطق بها يومًا أحد روادك العظام وهو الذي أسماه أبوه (أحمد بهاء الدين) قال: قال: (لابد من مواجهة الدعوات الإسلامية في أيامنا مواجهة شجاعة بعيدًا عن اللف والدوران وإن الإسلام كغيره من الأديان يتضمن قيمًا خلقية يمكن أن تستمد كنوع من وازع الضمير أما ما جاء فيه من أحكام وتشريعات دنيوية فقد كانت من قبيل ضرب المثل ومن باب تنظيم حياة نزلت في مجتمع بدائي إلى حد كبير ومن ثم فهي لا تلزم عصرنا ومجتمعنا) اهـ (٤) إن الإسلام دين الله الحق لا يهزم أبدًا في معركة شريفة ولا يهاب الصراع مع الباطل أيًا كان إذ: (ليس الخطر الذي يهدد المجتمع الإسلامي ناشئًا عن هذا الصراع فالصراع بين الأصيل والدخيل سنة من سنن الله العليم الحكيم يضرب فيها الحق والباطل ﴿فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض﴾ الرعد آية ١٧ ليس هذا الصراع إذًا مصدر خطر بل إنه ربما يدعو إلى التفاؤل والاطمئنان ولكن مصدر الخطر وعلامته هي أن يزول هذا الصراع وأن يفقد الناس الإحساس

(٤) انظر: (الصحافة والأقلام المسمومة) للأستاذ أنور الجندي - ص (٢١٤) .

1 / 8

بالفرق بين ما هو إسلامي وبين ما هو غربي إن فقدان هذا الإحساس هو النذير بالخطر لأنه يعني فقدان الإحساس بالذات فالجماعات البشرية إنما تدرك ذاتها من طريقين معًا: من طريق وحدتها التي تكونها المفاهيم والتقاليد المشتركة ومن طريق مخالفتها للآخرين التي تنشأ عن المغايرة والمفارقة ولذلك كان الخطر الذي يتهدد هذه الوحدة يأتيها من طريقين: الشعوبية التي تفتتها والعالمية التي تميعها فزوال الإحساس بالمغايرة والمفارقة هو هدم لأحد الركنين اللذين تقوم عليهما الشخصية وهذا هو ما لا نريد أن يكون، نريد أن يظل هذا التمييز بين ما هو إسلامي وبين ما هو طارئ مستجلب - شرقيًا كان أو غربيًا - حيًا في نفوس الأجيال الصاعدة والتالية وهي أمانة تلقاها جيلنا عمن قبله ولابد أن يحملها إلى من يجئ بعده) (٥) وأخيرًا لا يفوتني في هذا المقام أن أتقدم بالشكر الجزيل لكل من أعان على نشر هذا الكتاب والحمد لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الإسكندرية في الجمعة الثالث عشر من شهر الله المحرم ١٤٠٦ هـ.

(٥) (الإسلام والحضارة الغربية) ص (٥٩- ٦٠) .

1 / 9

مقدمة الطبعة الأولى إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إلى إلا الله وحده وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾ (آل عمران: ١٠٢) ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا﴾ (النساء: ١) ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا﴾ (الأحزاب: ٧٠) أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. بين يديك - أيها القارئ - مواقف تاريخية تبين لك فصول (المعركة) التي نشبت في أواخر القرن الماضي واستمرت أمدًا بعيدًا بين (الحجاب) وبين (السفور) بين (العفة والفضيلة) وبين (التهتك والرذيلة) .

1 / 11

وقد تركز البحث حول تاريخ هذه المعركة في (مصر) وإن كان من حقه أن يستوفي تفاصيل المعركة في سائر البقاع الإسلامية ولهذا الأمر مسوغات - منها عزة المصادر المرضية التي يمكن من خلالها استنباط المقصود. - ومنها أن مصر لما لها من مركز حساس ولما تتمتع به من صدارة تؤهلها للقيادة الفكرية - يقر بها الجميع - كانت الأسوة والقدوة في شتى المجالات بعامة وفي مجال (المرأة) بخاصة الأمر الذي جعل من فصول المعركة خارجها صورة مطابقة لما حدث فيها ولا ينسى التاريخ وصية الملك " عبد العزيز " لأبنائه بأن يقيسوا حال الأمة العربية قوة وضعفًا بحال مصر فهي ميزان قوة العرب والمسلمين (٦) ولا ينسى التاريخ أن دفاع المسلمين المصريين ضد الإنكليز وعملائهم من دعاة ما يسمى بـ (تحرير المرأة) كان انطلاقًا من وجهة نظر الشاعر " أحمد محرم " التي يلخصها قوله مشيرًا إلى " مصر ": احفظوها إن مصر إن تضع ضاع في الدنيا تراث المسلمين ومن هنا لم يكن عفوًا أن يبدأ المبشرون الصليبيون بمصر قلعة الإسلام الصامدة ومركز ثقله ولم يكن عفوًا أن يكون قادة الغزو الصليبي الجديد لمصر من القساوسة المعروفين بكيدهم للإسلام والمسلمين أمثال " دنلوب " هذا الكاهن الذي: (خلع عنه ثوب الكهنوت ودخل في خدمة الحكومة يدير مدارسها في خلال ربع قرن فكان يناهض القرآن مناهضة سرية متواصلة) (٧) وأمثال" كرومر" الذي تخرج هو ودنلوب من أكبر المدارس اللاهوتية في أوربا (٨) وغيرهم من النصارى الذين رحلوا إلى مصر ليتخذوها قاعدة انطلاق وليجندوا زملاءهم من المنافقين والمنافقات الذين أظهروا أسماء المسلمين وأبطنوا قلوب الذئاب ﴿يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون﴾ (البقرة:٩) فمن هنا جاز تجريحهم وكشف عوارهم تحذيرًا منهم ونصيحة للمسلمين كما بين ذلك علماء " الجرح والتعديل " ﴿ولا عدوان إلا على الظالمين﴾ (البقرة: ١٩٣) ولله در القائل: من الدين كشف الستر عن كل كاذب وعن كل بدعي أتى بالعجائب ولولا رجال مؤمنون لهدمت صوامع دين الله من كل جانب

(٦) "مدافع آية الله " لمحمد حسنين هيكل (ص ٢٥٤)، وانظر ص (١٧، ٢٥٢) من نفس المصدر، وانظر أيضًا: " تحفة الناظرين فيمن ولي مصر من الولاة والسلاطين " للشيخ عبد الله الشرقاوي المطبوع بهامش " فتوح الشام " للواقدي ص (١١،١٧- ٢١) . (٧) " المخاطر التي تواجه الشباب المسلم " د / " مصطفى حلمي " ص (٢٨) نقلًا عن (الإسلام وآسيا أمام المطامع الأوربية) تأليف أوجين يونج ص (١٥٧) .

1 / 12

هذا وقد حرصت أن أعزو - ما استطعت - كل قول إلى قائله لأخرج من تبعته وقصرت جهدي على الجمع والترتيب إلا فيما لابد منه من التوضيح والتهذيب. وهذا الجزء هو الأول من مجموعة (عودة الحجاب) يتلوها إن شاء الله تعالى الأجزاء: الثاني، وموضوعه: المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية. والثالث، ويتضمن: مقدمة في ذم التبرج والحث على الحجاب - شروط زي المرأة المسلمة - الاختلاط وأضراره - معاني الحجاب وتاريخه - بدعة الدعوة إلى السفور - السفور والغيرة - السفور والحياء - أدلة القرآن الكريم والسنة النبوية على وجوب انتقاب المرأة وسرد المذاهب في ذلك ومناقشة أدلة المخالفين. والرابع، ويتضمن: ثلاث قضايا جامعة: تعليم المرأة، وعمل المرأة، وأحكام القرار في البيوت - يسر الله إتمامها.

(٨) " المرأة ومكانتها في الإسلام " لأحمد عبد العزيز الحصين ص (٢٠٧) .

1 / 13

- هذا عدا مسائل أخرى تفرعت من أبواب هذا البحث تعم الحاجة إلى تبيينها وإن بعدت عن المقصود الأصلي منه ولكن قد يذكر الشيء بالشيء وتصح الإضافة بأدنى مشابهة في الزي والفيء وكلها نبضات قد يعوزها الترتيب والتنسيق ولكن أرجو ألا يعوزها الصدق والتوفيق والله ﷾ أسأل أن يجعل سعيي هذا مشكورًا وجهدي في هذا الجمع والترتيب - وإن كنت مقلًا - مبرورًا ويتوب علينا وعلى سائر العصاة فيما فرط منا من السيئات والذنوب توبة لا يصيبنا بعدها نصب ولا يمسنا فيها لغوب وحسبي بعد ذلك أن أدعو الله أن لا يصرف من نيتي شيئًا إلى غيره وأن يوفقني كي لا أبتغي بما سطرته إلا وجه الله والدار الآخرة فإن من كان همه هناك كان في شغل شاغل عن مدح المادحين وقدح القادحين ﴿إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله وعليه توكلت وإليه أنيب﴾ (هود: ٨٨) والحمد لله رب العالمين.

1 / 14

معركة الحجاب والسفور (قضية المرأة) بين المنهزمين والمتآمرين (٩) إن جملة الأحكام التي يطلق عليها عنوان (الحجاب) هي في الحقيقة مشتملة على أهم أجزاء النظام الاجتماعي في الإسلام فإذا وضعت هذه الأحكام موضعها الصحيح في النظام الإسلامي بكامله ثم تأملها أحد فيه أثارة من البصيرة الفطرية السليمة لم يلبث أن يعترف بأنها الصورة الوحيدة الممكنة التي تضمن القصد والاعتدال في الحياة الاجتماعية وأن هذه الأحكام لو عرضت على العالم منفذة في الحياة العملية بروحها الحقيقية الصحيحة لهرولت الدنيا المنكوبة إلى هذا النبع الصافي تلتمس فيه الدواء لأدوائها الاجتماعية المتفشية بدل أن تنفر منه أو تطعن عليه. في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ومطلع القرن التاسع عشر فوجئت الممالك الإسلامية بطوفان من الاستعمار الغربي وبينما المسلمون في هجود الكرى لم يستيقظوا بعد كل اليقظة جعل هذا السيل يمتد من قطر إلى قطر حتى شرق العالم الإسلامي وغرب وما أن انتصف القرن التاسع عشر حتى غدت معظم الأمم المسلمة عبيدًا للغرب الأوربي وخولًا له والتي لم تدخل منها في عبوديته لم تسلم من الخضوع لسلطانه ورهبة بأسه وسطوته. ولما بلغ هذا الانقلاب تمامه بدأت في المسلمين آثار اليقظة والحركة فلما فتحوا أعينهم على الحال التي قد صاروا إليها فشلت ريحهم وزال عنهم بغتة ذلك

(٩) مستفاد بتصرف من كتاب " الحجاب " للمودودي ﵀ ص (٣٧- ٤٧) طبع مؤسسة الرسالة.

1 / 15

الفخار والاعتزاز الذي طالما تأصل فيهم لبقائهم في عز الغلبة ومجد السيادة قرونًا متوالية فعادوا يفكرون في أنفسهم كالسكران يفيقه توالي الضربات من عدو شديد ويبحثون عن الأسباب التي هبطت بهم وغلبت الإفرنج عليهم غير أن عقولهم لم تكن ثابت بعد إلى رشدها إذ كان السكر لا ريب قد ذهب عنهم ولكن ميزان الفكر كان لا يزال مختلًا فيهم: فبجانب كان يلح بهم شعور بالذلة والهوان ويؤزهم أزًا على تبديل ما هم فيه من الأحوال وبجانب آخر يغلبهم من حب الراحة وإيثار الدعة والارتخاء ما يحملهم على توخي أقرب الطرق وأسهلها لتبديل تلك الحالة وقد خارت فيهم من جهة ثالثة قوى الفكر والعقل وصدئت ملكات الفهم والذكاء بطول تعطلها عن العمل زد على ذلك كله ما أخذ بمجامع نفوسهم من الدهشة والروعة التي تعتري بالطبع كل أمة منهزمة مستعبدة، وتغلغلت هذه العوامل في محبي الإصلاح من المسلمين وأوقعتهم في كثير من الضلالات العقلية والعملية فأكثرهم ما كادوا يفطنون للأسباب الحقيقية في ارتقاء أوربة وانحطاطهم وأما الذين فهموها منهم وأدركوها فأعوزهم من بعد الهمة والعزيمة ما يتشجعون به على اختيار الطريق الوعرة للرقي والتقدم وكان من وراء ذلك كله الروعة والدهشة التي تعتري الطائفتين على السواء فلما مضوا بهذه العقلية المريضة الزائفة يريدون الإصلاح لم يروا أضمن للرقي من ولا أدنى للوصول إليه من أن يحاكوا في حياتهم اليومية كل مظاهر التمدن والحضارة الغربية فيعودوا كالمرآة الصافية يرى فيها خيال الروضة والأزهار والرياحين وليس فيها من حقيقة هذه المناظر من شيء. " لتتبعن سنن من كان قبلكم " (١٠) وهذه هي الفترة الانهزامية التي غدت الأمم الإسلامية فيها تحاكي أمم الغرب

(١٠) صدر حديث رواه الشيخان وغيرهما عن أبي سعيد الخدري عن النبي " وتتمته: =

1 / 16

في الزي واللباس وسائر المظاهر الاجتماعية في آداب المجالس وأطوار الحياة حتى في الحركة والمشي والتكلم والنطق لقد حاولوا تشكيل المجتمع المسلم على الصيغة الغربية وقبلوا الإلحاد والدهرية والمادية في نشوة التجدد بدون حيطة أو شعور بالعواقب وعدوا من لوازم التنور الفكري إيمان المرء بكل ما بلغه من قبل الغرب من فكرة ناضجة أو فجة والإفاضة فيه في مجالسه ورحبوا بالخمر والقمار واليانصيب والتهتك والرقص وما إلى ذلك من ثمرات الحضارة الغربية ثم سلموا بجميع معتقدات الغرب وأعماله في الأخلاق والآداب والاجتماع والاقتصاد والسياسة والقانون حتى في العقائد الإيمانية والعبادات سلموا بكل ذلك من غير فهم أو شعور ومن غير نقد أو تجريح كأنه تنزيل من السماء ليس لهم قبله إلا أن يقولوا: (آمنا) وأصبح المسلمون أنفسهم يستحيون من كل ما نظر إليه أعداء الإسلام بالتحقير والتعيير ولو كان هذا الشيء من الأمور الثابتة في الشرع الحنيف وطفقوا يحاولون أن يمحوا تلك السبة عن أنفسهم: - اعترض الغربيون على ما عندهم من أحكام الجهاد فقال هؤلاء المنهزمون: (ما لنا وللجهاد يا سادة؟ إنا نعوذ بالله من هذه الهمجية) ... - اعترضوا على الرق فقال هؤلاء: (إنما هو حرام عندنا أصلًا) (١١) - وأطالوا لسان القدح في تعدد الزوجات فجاء المنهزمون ينسخون بضلالهم وجهلهم آيات القرآن ويحرفون الكلم عن مواضعه (١٢) - ثم قال أولئك الغربيون: (لابد من مساواة الرجل والمرأة في جميع نواحي

= (.... شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم قلنا يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟) (١١) انظر " أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن " للشنقيطي (٣/٣٨٦- ٣٨٩) . (١٢) انظر المرجع السابق (٣/٧٧٣- ٣٨٠)

1 / 17

الحياة) فوافقهم المنهزمون وقالوا: (وهذا هو الذي ينادي به ديننا ويدعو إليه) . - وطعن القوم في أحكام الزواج والطلاق في الإسلام فقامت طائفة من المنهزمين تعالجها بالإصلاح والتعديل. - ولما عابوا الإسلام بأنه عدو لما يسمى (الفنون الجميلة) استدرك هؤلاء قائلين: (كلا بل ما زال الإسلام مذ كان يحتضن هذه الفنون ويحضوا عليها ويشرف على الرقص والموسيقى والتصوير والغناء ونحت التماثيل......) ففي سبيل دفع تهم الجمود التي يلصقها الغربيون بالشريعة رأينا هؤلاء المنهزمين ينجرفون إلى أقصى الطرف المناقض في بيان ما تنطوي عليه الشريعة من مرونة التطبيق حتى يبلغوا بهذه المرونة حد الميوعة وانعدام الذات والمقومات تلك الميوعة التي تجعلها صالحة لأن تكون ذيلًا لأي نظام وتبعًا للأهواء وبذلك ينتهون إلى إلغاء وظيفة الدين لأنهم بدلًا من تقويم عوج الحياة بنصوص الشريعة يحتالون على نصوص الشريعة حتى يبرروا بها عوج الحياة المعاصرة. نشأة " مسألة الحجاب ": كان هذا الدور أخبث الأدوار وأخزاها في تاريخ المسلمين ففي هذا العصر نشأت " مسألة الحجاب " ولو كان البحث في هذه المسألة مقصورًا على تعيين الحد الذي وضعه الإسلام لحرية المرأة لهان الأمر ولم يستعص حله لأن أكثر ما هنالك من الاختلاف بين المسلمين في هذا الباب هو منحصر في وجه المرأة ويديها: هل يجوز إبداؤها أم لا؟ وليس في هذا كبير خطورة ولكن الواقع ههنا غير ما ذكرنا. الواقع في الحقيقة أنه نشأت هذه المسألة في المسلمين لكون الغرب قد نظر

1 / 18

إلى الحجاب والنقاب بعين المقت والازدراء وصوره أقبح تصوير وأشنعه فيما كتب ونشر وعدَّ (حبس) المرأة - على حد تعبيره - من أبرز عيوب الإسلام ولكن أنى للمنهزمين أن يغضوا عن هذه النقيصة التي أخذها (سادتهم) عليهم فيما أخذوا؟! لقد فعلوا في هذه المسألة - الحجاب - مثل ما فعلوا في مسائل الجهاد والرق وتعدد الزوجات وما شاكلها من المسائل فما كان منهم إلا أن عمدوا إلى الكتاب والسنة يتصفحون أوراقهما وإلى كتب الفقه والأحكام ينقبون عن اجتهادات الأئمة فيها وأقوال الفقهاء لعلهم يجدون في ثناياها ما يعينهم على أن يغسلوا عن أنفسهم هذا العار الذميم الذي عيرهم به الغربيون. فإذا بهم يقعون على أقوال لبعض الأئمة تجيز للمرأة أن تبدي وجهها وكفيها وتخرج كذلك من بيتها لحوائجها ويؤخذ منها أيضًا أن المرأة يجوز لها أن تشهد الحرب لسقي المجاهدين ومداواة الجرحى ثم وجدوا في تلك الأقوال إذنًا بخروج المرأة إلى المسجد للصلاة وجلوسها للتعلم والتعليم فكفاهم هذا القدر من المعلومات لأن يدعوا أن الإسلام قد أعطى للمرأة حرية مطلقة (١٣) وأن الحجاب من تقاليد الجهلاء اتخذه المتأخرون من المسلمين الجامدين المتشددين ولا أثر له في آية ولا في حديث وإنما القرآن والسنة يعلمان الحياء والعفاف على سبيل التوجيه الخلقي العام وليس فيهما قانون أو ضابط بقيد حركة المرأة وتنقلها بقيد ما. ومن الضعف الطبيعي في الإنسان إنه إذ اختار مذهبًا من المذاهب في شئون حياته يكون بدء اختياره لذلك المذهب بنزعة عاطفية غير عقلية ثم يأتي بعد ذلك فيستعين بالمنطق والعقل ليثبت كون نزعته تلك صحيحة معقولة كذلك وقع في أمر الحجاب أيضًا فما عرضت للمسلمين مسألة الحجاب لشعورهم بضرورة عقلية أو شرعية إليه وإنما أتت من ذلك الميل والنزوع الذي نشأ من تأثرهم ببريق

(١٣) يأتي في ثنايا هذا البحث إبطال هذه الادعاءات ومناقشة شبهات القوم إن شاء الله تعالى.

1 / 19

حضارة أمة غالية ومن ارتياعهم لدعاية تلك الأمة ضد التمدن الإسلامي. وذلك أن المسمين برجال (الإصلاح) لما رأوا المرأة الأوربية وما هي عليه من زينة وحرية في الحركة والجولة ونشاط زائد في المجتمع الغربي.... لما رأوا كل هذا بعيون مسحورة وعقول مندهشة تمنوا بدافع الطبيعة أن يجدوا مثل ذلك في نسائهم أيضًا حتى يجاري تمدنهم تمدن الغرب ثم أثرت فيهم الدعوات الجديدة إلى تحرير المرأة وتعليم النساء ومساواتهن بالرجال ... تلك الدعوات التي كانت تنصبُّ عليهم كالوابل المدرار بلغة قوية منطقية وفي طبع أنيق كذاب حتى أماتت هذه الكتب والمنشورات الغربية بقوة دعايتها ملكة النقد والتجريح عندهم فاستقر في سويداء قلوبهم أنه لابد لكل من يرغب أن يعدَّ من (المتنورين التقدميين) ويدفع عن نفسه تهمة (الرجعية والتخلف) أن يؤمن بتلك النظريات إيمانه بالغيب ويؤيدها ويحامي عنها فيما يكتب ويخطب ثم يروجها في الحياة العملية بحسب ما أوتي من همة وجراءة كان هؤلاء تكاد تسوح بهم الأرض من فرط الخجل حينما يرون الغربيين يتهكمون بنسائهم المتنقبات المستورات في اللباس العادي وينبذونهن بـ (الجنائز المكفنة المتحركة) وإلى متى - يا ترى - يطيق القوم الصبر على هذه الوخزات؟ ... لذلك استعدوا آخر الأمر - طوعًا أو كرهًا - لأن يقوموا فيدفعوا عن أنفسهم هذا العار المخزي. وهذه النزعات والعواطف هي التي دفعت المنهزمين إلى أن يقوموا بحركة ما يسمى : (تحرير المرأة) التي بدأوها في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي فمنهم من كانت هذه النزعات كامنة في شعورهم الخفي فلا يدرون بأنفسهم ماذا يجرهم ويدفعهم إلى تلك الحركة فكانوا مخدوعين عن أنفسهم ومنهم آخرون كانوا يشعرون بنزعاتهم شعورًا تامًا ولكنهم يستحيون ويحجمون عن إبداء نزعاتهم الحقيقية فهؤلاء لم يكونوا مخدوعين بل دهاة خادعين وأيًا كان الأمر فقد قام

1 / 20

كلا الفريقين بعمل واحد ألا وهو: سحب ذيل الخفاء على المحركات والدوافع الحقيقية لحركته تلك وحاول أن يظهرها بمظهر حركة عقلية بدلًا من إظهارها حركة عاطفية وساق في تأييدها جميع الأدلة التي تلقاها من الغرب مباشرة كصحة النساء وارتقائهن في مجال الفكر والعمل وحقوقهن الفكرية واستقلالهن الاقتصادي وتخلصهن من ظلم الرجال وأثرتهم وانحصار رقي المدنية في رقيهن لكونهن شطرًا كاملًا من الأمة ... إلى آخر هذه الحجج وحتى ينخدع عامة المسلمين ولا يفتضح عليهم صميم المقصد من تلك الحركة وهو حمل المرأة المسلمة على اقتفاء آثار المرأة الأوربية واتباع المناهج الاجتماعية الرائجة بين أمم الغرب أعني: اليهود والنصارى ... ولكن الأدهى والأخبث أنهم عادوا يخدعون الناس في هذا الصدد عن طريق احتيالهم في إثبات حركتهم الضالة بنصوص واستنباطات من الكتاب والسنة بالرغم من وجود البون الشاسع بين المنهج الإسلامي الرباني في الاجتماع ومقاصد هذه الشريعة العليا وبين مبادئ النظام الاجتماعي الأوربي ومقاصده. فإن المقصد الأعلى الذي يريد أن يحققه الإسلام من خلال نظامه الاجتماعي هو صون الأعراض وكبح جماح الشهوات وترويضها وضبطها وتقييدها بضوابط أخلاقية تضمن استعمالها في خير الإنسان وطهارته بدل إهمالها أو تضييعها في الفوضى والهمجية. وأما النظام الاجتماعي الغربي فعلى العكس من ذلك يرمي إلى الحث على سير التمدن بإشراك المرأة والرجل في تدبير شؤون الحياة وتحمل تبعاتها على حد سواء واستعمال الشهوات في فنون ووسائل تحول متاعب الحياة إلى لذات ومسرات. ومن هنا يتضح الفرق إذ أن الإسلام يضع نظامًا للاجتماع ليخدم مقاصده،

1 / 21