Réflexions sur l'éducation à la foi
نظرات في التربية الإيمانية
Genres
وكلما ازداد الإيمان ازدادت الثقة بالله حتى تصل لذروتها فتصبح ثقة مطلقة يقينية أشد رسوخًا من الجبال الرواسي، وتظهر آثارها وقت الأحداث المتشابكة والعصيبة، كمثل ما حدث لموسى ﵇ عندما خرج مع بني إسرائيل فرارًا من فرعون لكنه أدركهم بجنوده ليصبح البحر أمامهم وفرعون وراءهم فيقول أتباعه: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشعراء: ٦١] فيجيب عليهم بهدوء الواثق في ربه: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: ٦٢].
وفي رحلة الهجرة وبينما كان الرسول ﷺ وصاحبه في غار ثور إذ بالمشركين يصلون إلي فم الغار، فيخاف أبو بكر خوفًا شديدًا على رسول الله ﷺ، وعلى الدعوة، ويقول لرسول الله ﷺ: يا نبي الله لو أن أحدهم طأطأ بصره رآنا .. إن قُتلتُ فإنما أنا رجل واحد، وإن قُتلتَ أنت هلكت الأمة، ليفاجأ بأن رسول الله ﷺ لم يتأثر بهذه المخاوف، بل كان هادئ النفس، رابط الجأش، على ثقة مطلقة بالله ﷿، وبدا ذلك واضحًا من إجابته على ما أثاره أبو بكر من مخاوف: اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما .. لا تحزن إن الله معنا (١).
طمأنينة القلب:
من ثمار الإيمان العظيمة تلك الطمأنينة والسكينة التي يسكبها في القلب، فتجده ساكنًا عند جريان الأحداث سكون الواثق بالله، المطمئن به - سبحانه - لذلك عندما ذهب عمار بن ياسر إلى رسول الله ﷺ ليخبره بأنه تحت وطأة التعذيب والإيذاء أُكره على النيل من رسول الله ﷺ، وذكر آلهة الكفار بخير، فما كان من رسول الله ﷺ إلا أنه سأله: «فكيف تجد قلبك؟»، فقال عمار: أجد قلبي مطمئنًا بالإيمان، فقال رسول الله ﷺ: «فإن عادوا فعد» (٢).
وعندما أسرت الروم عبد الله بن حذافة السهمي فقال له الطاغية: تنصَّر وإلا ألقيتك في البقرة (وعاء من نحاس)، قال: ما أفعل .. فدعا بالبقرة النحاس فمُلئت زيتًا، وأُغليت، ودعا رجلًا من أسرى المسلمين فعُرض عليه النصرانية، فأبى، فألقاه في البقرة فإذا عظامه تلوح، وقال لعبد الله: تنصَّر وإلا ألقيتك، قال: ما أفعل، فأمر به أن يُلقى في البقرة فبكى، فقالوا: قد جزع، قد بكى. قال: ردوه، فقال عبد الله: لا ترى أني بكيت جزعًا مما تريد أن تصنع بي ولكني بكيت حيث ليس لي إلا نفس واحدة يُفعل بها هذا في الله، كنت أحب أن يكون لي من الأنفس عدد كل شعرة فيَّ، ثم تُسلَّط عليَّ فتفعل بي هذا، قال: فأعجب منه، وأحب أن يطلقه، فقال: قبِّل رأسي وأطلقك، قال: ما أفعل، قال: قبِّل رأسي وأطلقك وأطلق معك ثمانين من المسلمين، قال: أما هذه فنعم، فقبل رأسه وأطلقه وأطلق معه ثمانين من المسلمين، فلما قدِموا على عمر بن الخطاب قام إليه عمر فقبَّل رأسه، قال: فكان أصحاب رسول الله ﷺ يمازحون عبد الله فيقولون: قبلت رأس علج، فيقول لهم: أُطلِق بتلك القبلة ثمانون من المسلمين (٣).
_________
(١) أخرجه البخاري (٣/ ١٤٢٧، رقم ٣٧٠٧)، والقصة بتمامها في سيرة ابن هشام، والرحيق المختوم.
(٢) أخرجه ابن سعد (٣/ ١ / ١٧٨)، وأبو نعيم في «الحلية» (١/ ١٤٠)، والطبري (١٤/ ١٨٢)، وأخرجه الحاكم (٢/ ٣٥٧) وصححه، ووافقه الذهبي، والكاندهلوي في حياة الصحابة (١/ ٢٢٢).
(٣) أسد الغابة لابن الأثير (١/ ٥٩٧، ٣/ ١١، ٢١٢)، معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (١١/ ٣٥٢ رقم ٣٦٠٨)، تاريخ دمشق - (٢٧/ ٣٥٩).
1 / 26