قد مضت السنة الأولى من عهد الدستور وما ولدت حرية اللبنانيين إلا الكلام، وماذا يا ترى يلد الكلام وبالأخص ما كان فارغا أو كاذبا أو فاسدا مبرقشا من الكلام. قد انقضت السنة الأولى من عهدنا الجديد ولم يظهر فينا رجل جريء حر صادق، رجل عزوم ثبيت سكوت، يعمل من أجل هذا الوطن عملا واحدا صغيرا دون أن يستشير فيه كيسه أو منصبه السياسي، دون أن يلتجئ إلى القناصل، دون أن يستعين ببكركي التي أصبح هيكلها في جمعية الاتحاد والترقي في بيروت، بكركي وبطريركها اليوم فيلسوف تركي يحسن العبادة والصلاة مثلما يحسن العدل في السياسة والأحكام، ولكن هؤلاء اللبنانيين الذين يسجدون لشفيعتهم وهي في زي تركي أوروبي جديد وينادون في الجبل بالمحافظة على امتيازات لبنان هؤلاء يجدفون في قلوبهم إذا صلوا ويموهون وينافقون حيثما سقطوا وحلوا، هؤلاء لا يستحقون بركتك يا صديقي البطريرك، هؤلاء قوم مدغلون، والمدغل والمؤمن لا يجتمعان.
وما قولك أيها الرفيق العزيز! أتظننا نجد رجل الشعب بينهم، أتظن البحث عنه في هذا المكان يجدينا نفعا، ألا تظننا نصرف زيتنا سدى في مثل هذه الظلمات؟ احمل سراجك إذا واتبعني.
من هيكل الحرية العثماني إلى الهيكل اللبناني فرسخ أو فرسخان، تعال إذا علنا نفوز هنا بضالتنا المنشودة، ادخل وسرح نظرك في هذا المعبد الجليل الذي شيده قبل الدستور البناءون، وهؤلاء البناءون لا يتعشقون الإكليروس كما تعلم على أنهم لا يكرهون الثوب الكهنوتي الذي يلبسونه في دور الرئاسة دائما وفي دور السياسة عند مسيس الحاجة.
هؤلاء الأحرار الكرام، وفيهم من الشبان العالم والمصلح والحكيم وفيهم أيضا من يحتاجون إلى كثير من العلم والإصلاح والحكمة، يعبدون الحرية فوق كل شيء ويفادون اليوم وغدا بكل لبنان من أجلها، فإن كان فيهم من يستحق أن يكون زعيم الشعب ألا تظنه يلبس الأرجوان ويغطي أذنيه بقلنسوة من حرير إذ تبوأ غدا كرسي الزعامة، دعنا من المجاز، ألا تظنه وإن كان رجل الشعب اسما يكون فعلا رجل البنائين، هل أنت من رأينا، أولا تثق بهؤلاء الشبان المصلحين؟ تعال إذا نطلب رجل الشعب بين شيوخ لبنان وأعيانه.
نحن الآن في كنيسة الجامعة اللبنانية وفيها هيكل كبير في الصدر شفيعهم «مار نظام» له المجد وهيكلان صغيران إلى جانبيه للحرية والإخاء، وما قولك بهذا المجمع الجامع اللامع، هؤلاء هم أسيادنا اللبنانيون الصادقون، هؤلاء هم الوطنيون الطاهرون الذين يبيعون أملاكهم كلها ليحافظوا - إن اقتضى الأمر - على امتيازات لبنان. هؤلاء هم الأبطال الذين يشترون النظام الجليل الثمين بدمائهم ودماء أولادهم ونسائهم، أيريبك قولنا؟ ألا ترى فيهم الأمير والشيخ والوجيه والصحافي والكاهن و«الكرخنجي؟»
ومن من هؤلاء لا يبذل النفس والنفيس من أجل «مار نظام» العزيز! من منهم لا يحمل «المارتيني» إذا اقتضى الأمر دفاعا عن وطنه وحبا بامتيازات وطنه؟ ألا تظن هذا «الكرخنجي» يصلح أن يكون رجل الشعب وهو أقرب الناس إلى الشعب وأعرفهم به وأنصفهم في معاملته؟ أولا تظن أن في هذا الحبر المفضال وهو أشدهم شغفا بحب الشعب الذي يظن الربقة في رأسه طوقا مقدسا من سيدة حريصة، أو هذا الأمير ...
ما بالك تضحك؟ ألا ترى رجل الشعب بين هؤلاء الأسياد الغطاريف؟ أتظنهم كلهم مثل إخواني الذين يعبدون سيدة بكركي في هيكل الاتحاد والترقي؟ اتبعني إذا.
هذه سراي الحكومة، أتريد أن تدخل! لا! وأنا من رأيك، لماذا نضيع وقتنا وزيتنا سدى! أشعل السراج إذا وتقدم.
أتخيفك هذه الظلمات، نحن الآن في قرى لبنان وقد خيم الليل والسكوت، أما هذا النور الضئيل الذي تشاهده في كل قرية فهو نور الجمعيات التي تضم إليها اليوم كل من استفاق مؤخرا من نومه وشفي قليلا من مرضه. فهل تظننا نجد رجل الشعب فيها وأعضاؤها على الحالة التي وصفناها؟ امش إذا ولا تيأس قد يكون رجل الشعب في حقول هذا الفلاح صاحب العباءة المرقعة، أو قد يكون كامنا في أحشاء تلك الفلاحة التي سلمت علينا. تباركت ثمرة بطنك أيتها الأخت الفلاحة وتبارك من يعرفها ويكرمها متى ظهرت في الناس لتقود وتهدي الناس.
الوداع أيها الرفيق فقد صرفنا بعض الوقت والزيت في البحث عن رجل الشعب ولم نصرفه باطلا.
Page inconnue