هل وجد الدين كي نفسده ونصلحه ونغيره ونقلبه بطنا لظهر؟ كلا ثم كلا ثم كلا.
لو نظر الله - عز وجل - كما ينظر البشر إلى نتيجة وحيه لما كان تعذب وتنازل ليكلم موسى وعيسى ومحمدا صلواته عليهم جميعا، ولو نظر أيضا إلى أن عاقبة الدين الذي أنزله ستكون الاضطهاد والطرد والحروب والشقاق والخصومة لكان أبقاه عنده في السماء ولكن الله ... الله أعلم.
الدين إما موحى وإما غير موحى، إما مقدس وإما غير مقدس، فإذا كان موحى ومقدسا فلا يحق لنا أن نتخذه واسطة لتحسين أشغالنا التجارية وتنفيذ غاياتنا الشخصية فنلحق بأمتنا الضرر الجسيم إذ إننا نكون حجر عثرة في سبيل الجامعة التي يجب أن تجمعنا كسوريين، ونحن بحاجة كلية إلى الجامعة الآن قلت وأقول ذلك مرارا، وأما إذا كان الدين غير موحى وغير مقدس فأرى من وجه الحكمة أن لا نتمسك إلا بالجيد منه وننبذ الباقي ظهريا نبذ النواة. ولكن الدين مقدس؛ ولذلك يقدم له الشعب الاحترام ومنه ما قدسته العوائد التي مكنها الزمان وثبتتها الممارسة، وكفى بذلك قداسة تفرض علينا الاحترام والتوقير والاعتبار.
لماذا إذا نستخف بالدين ونتخذه كألعوبة نلتهي بها في الشوارع والحوانيت، نحن بإخراجنا الدين من الكنائس لغاية عالمية نرذله ونجدف عليه، ومن التعصب الممقوت أن نميز كل حانوت وكل بيت تجارة وكل إدارة أو كل جمعية بدين مخصوص، فنقول هذا التاجر ماروني وذاك الطبيب أرثوذكسي، وهذا الصحافي كاثوليكي ... وما شاكل ذلك. ما هذه الحالة التي وصلنا إليها، أينقصنا شيء إلا أن نضيف إلى أسمائنا أسماء طوائفنا ونقول: زيد الماروني، وعمر الأرثوذكسي، ومحمد المسلم؟ فتشوا معي لأريكم كيف تنقسم تجارنا وجرائدنا ونزلنا وأطباؤنا وجمعياتنا، أولا عندنا التجار المارونيون والتجار الأرثوذكسيون والتجار الكاثوليكيون والتجار البروتستانيون.
وأي من هؤلاء التجار المستقيمين يبيع سلعه وسبحه ودبابيسه لقديسينا المكرمين، أيتعامل التاجر الأرثوذكسي مع مار متري ومار نقولا، أيتعامل صديقنا الماروني مع أبينا مار مارون، وعندنا الجرائد المارونية والجرائد الكاثوليكية والجرائد الأرثوذكسية، وعندنا المطاعم المارونية والمطاعم الأرثوذكسية والمطاعم الكاثوليكية والمطاعم البروتستانية، وأي منهم نزل طعامها من السماء وهل يريد القديسون أن نمجدهم بالكبة والهريسة والمجدرة، وعندنا الجمعيات الخيرية المارونية والأرثوذكسية والكاثوليكية، وما ضرهم لو كانت كلها جمعية واحدة، جمعية خيرية سورية.
ونار إن نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في رماد
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي
وهذه الحالة تعتور كل أعمالنا وأشغالنا وحرفنا.
Page inconnue