Opinion sur Abou l’Alâ : L’homme qui s’est trouvé
رأي في أبي العلاء: الرجل الذي وجد نفسه
Genres
وإذ ألممنا بما خاضت فيه الدوائر الجامعية من حديث القدرة الإلهية والعقل الإنساني، وحررنا معاني ما ساقه أبو العلاء من قول فيه، فمن الوفاء بالموضوع أن نسوق كلمة مجملة عن:
مسألة المعرفة والقدرة الإلهية
فنجيب عن السؤال التالي وهو: هل حديث أبي العلاء عن العقل والقدرة حديث يمس مسألة المعرفة، ويتصل برأيه في عجز العقل، أو اقتداره حتى يعلل به اضطرابه في مسألة المعرفة؟ وإنك لتجد من تفصيل ما مضى وجملته، أن صاحبنا فيما قاله من هذا واعظ مستهو، يمجد ويقدس، وقد غمره عالم روحي ديني مسيطر، كما تجد أنه فيما أورده من قول عن العقل والقدرة، لا يذكر من أمانيه لنفسه أو للناس، ولا من مظاهر تصرف القدرة شيئا عقليا من مشكلات الحياة الإنسانية أو الكون، بل يذكر من ذلك أشياء حسية مادية هي كما قلنا من القوانين الطبيعية العملية، ومما يتوقف تصوره ووجوده معا على المادة. وليس هذا في شيء من الصعوبة، ولا هو من عقد الإلهيات أو الرياضيات وما إليها. ألم تر أنه فيما قرأت من أمثلة يتحدث عن الأرض والبقاع، أو عن السماء والأفلاك والكواكب، أو عن النبات والحيوان ومظاهر حياتهما، أو الحواس الإنسانية وأطوار الوجود! وأنه حين صرح بما يمتنع في العقول، وما لا تحتمله الألباب إنما مثل بالعود البالي وخضرته. ومن هنا نستطيع القول في طمأنينة مجيبين عن السؤال السابق صدر هذا الكلام:
إن حديث العقل والقدرة الإلهية عند أبي العلاء ليس حديثا عن مسألة المعرفة، ولا هو متصل باقتدار العقل البشري عليها أو عجزه عنها، وإنما هو حديث استهوائي وعظي، تسبيحي تمجيدي، قد دلنا - مع النظر فيما اتصل به من إنكاره تأثير الأسباب - على أن صاحبنا المتفنن قد أخل بالروح الفلسفية إخلالا قويا، كما دلنا على أنه قليل الميل إلى الجو العقلي الحكمي، قليل الحظ من العناية بذلك كله، فلنمض إلى ما كنا فيه من بيان سائر نواحي إخلاله بالمنهج الفلسفي، فنذكر لك وجها:
ثالثا:
أنه حينما جادل نثرا وفي السعة لم يفرق بين مواضع الدليل العقلي، ومواضع الدليل الشرعي، وقد لفته إلى هذا الإخلال داعي الدعاة
39
وكأن الشأن في المتفلسف أن يعكس فيلتزم الدليل العقلي دائما حتى فيما يكفي فيه الدليل الشرعي، لا أن يستدل لمعقوله بالشرعيات ويخطئ مكان سوق الدليل!
رابعا:
إن أبا العلاء قد رأيناه فيما مضى يترك الوفاء بالاستدلال لأفكاره كما هو شأن المتفلسفين، ثم ها نحن أولا نراه إذا ما استدل في القليل من الأحيان وهو يتحدث ناثرا، فإنه يخل بالمنهج الفلسفي إخلالا واضحا؛ إذ يدعي إدراك الحيوان مثلا فيحتج بقول شعراء العرب بذلك، وأن مدافعة النحل لمن يشتار العسل مظهر هذا الإدراك. وما هي إلا معان شعرية، وخواطر وجدانية، وملاحظ فنية، لا ينتظمها تحر ولا ينقحها تدقيق، ولن يحتج بمثلها على ما يزعم صاحبنا أنه أنباء العقول الصحائح. مع أن هذه النحل تلسع الصبي الوادع الجميل في الروض، وهو غير مشتار ولا مبتغي عسل، ثم قدر مع هذا أن أبا العلاء حين يورد مثل هذه الحجج، ويعدها أنباء العقول الصحائح، كان قد عاش بضعا وثمانين حجة، فتم نضجه وكمل عقله، ولم يعد يفوت مثل هذا على مثله لو كان متفلسفا!
Page inconnue