وفيهم كثرةٌ وشهرةٌ (١).
ومن تمامِ الحديثِ عن نسبتِهِ ذكرُ وصفِ الناظمِ نفسَهُ بـ «المقرئُ بجامعِ واسطٍ» فيبدو أنها الصفةُ التي يحبُّها الإمامُ الدِّيوانيُّ- ﵀ ويعتزُّ بها؛ يتضحُ ذلك من تَكرارِهِ إياها في أوائلِ كتبِهِ وأواخرِها، كما يظهرُ أنه يعتزُّ أيضًا بالانتسابِ إلى «واسطٍ» وأنها بلدُ القراءِ والإقراءِ؛ وقد أَخذ الناظمُ على أبي محمدٍ القاسمِ الحريريِّ (ت ٥١٦ هـ) (٢) أنه لم يذكرْها بهذه الصفةِ وهذا النعتِ في مقاماتِهِ، فتفتّقتْ قريحةُ الديوانيِّ عن مقامةٍ رائعةٍ فيها نثرٌ ونظمٌ بديعان، وهي «المقامةُ الواسطيةُ المغايرةُ للمقامةِ الحريريةِ»، يذكرُ فيها مناقبَ بلدِهِ «واسطٍ» ومناقبَ أهلِها، وصلتَها بعلمِ القراءاتِ وما وصلت إليه فيه (٣).
_________
(١) انظر: «تاريخ واسط» لبحشل (ص ٣٨ وما بعدها)، و» الأنساب» للسمعاني (٥/ ٥٦١)، و» معجم البلدان» لياقوت (٥/ ٣٤٧ - ٣٥١).
(٢) في المقامة التاسعة والعشرين؛ الواسطية (ص ٢٨٩ - ٣٠٣) من «مقامات الحريري».
(٣) يقول الناظم فيها: «وبعدُ .. فإني لَمَّا رأيتُ أنّ الشَّيخَ الأَوْحَدْ ... القَاسِمَ أبا محمَّدْ، الحَريريَّ ... حين رَتَّبَ المَقاماتِ اللُّغويّةَ فَأحسَنَها ... ووَسَمَ البلدانَ بِسِمَاتِها، ووَصَفها بصِفاتِها ... وقد نَقَضَ قاعِدتَهْ، ورَفَضَ عادَتَهْ، في المَدينةِ الوَاسِطيّهْ، والبَلْدةِ الحَجَّاجِيّهْ، ولم يُرَاعِ فيها حُكْمَ الجِوَارْ، وهي إلى دارِهِ أَقربُ الدِّيارْ؛ ... وكان الأَولى بعَزْمَتِهْ، والأَحْرَى مِن هِمَّتِهْ، أن يَنْسُبَها إلى ما هي به معروفَهْ، وبِسَمْتِهِ مَوصوفَهْ، وهو عِلمُ القراءاتْ، واختلافِ العباراتِ، وتَسلسُلِ الطُّرُقِ والرِّوَاياتْ ...، فابْتَدَرْتُ حينئذٍ لأَخْذِ الثَّارِ؛ بعَزْمَةٍ رِفاعِيَّهْ، وانْتَدَبْتُ لكَشْفِ العَارِ؛ ببَدِيهةٍ وَاسِطِيَّهْ، وعكستُ قصةَ أبي زيدٍ في استظهارِهِ في مناظرتِهْ، وجعلتُهُ مَحْجُوجًا حالَ استحضارِهِ في مُحاضَرَتِهْ».
1 / 18