بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة في التعريف بالسمناني
وكتابه روضة القضاة وطريق النجاة
وصف المخطوطة:
من نفائس المخطوطات الفقهية التي صورها معهد المخطوطات العربية بالقاهرة مخطوطة: روضة القضاة وطريق النجاة للعلامة علي بن محمد السمناني أو ابن السمناني.
* * *
وقد جلبت المكتبة المركزية لجامعة بغداد مشكورة نسخة ميكروفلمية من هذه المخطوطة بناء على طلبي، وصورت هذه النسخة في المجمع العلمي العراقي لحساب مكتبتي الخاصة تمهيدًا لقيامي بدراستها ونشرها محققة، ولذا فقد رأيت من المناسب أن أعرفها ومصنفها وموضوعها للقراء الكرام تمهيدًا لنشرها في سلسلة دراسات إسلامية: أهم المخطوطات الفقهية، تلك المجموعة التي اضطلعت بنشرها منذ عام (١٩٦٥) ولحسن الحظ فقد عثرت في سفرتي الأخيرة إلى تركية في صيف (١٩٦٧) على نسخة خطية أخرى من هذا المصنف هي نسخة قليج علي باشا فصورت لمكتبتي.
لقد جاء في أول ورقة من النسخة الأولى من هذه المخطوطة: كتاب أدب القاضي المسمى بروضة القضاة تأليف العلامة علي بن محمد السمناني تغمده الله برحمته وهو بخط مؤلفه.
وذكر في آخر هذه المخطوطة أنه "فرغ من تأليفه صبيحة يوم الجمعة مستهل سنة ثمان وأربعمائة (كذا). وجاء في أول ورقة من نسخة قليج علي باشا: كتاب روضة القضاة وطريق النجاة تأليف الإمام العلامة قدوة المحققين ودرة المدققين أبي القاسم علي بن محمد بن أحمد السمناني الحنفي.
1 / 3
وظاهر أن الصحيفة الأولى من نسخة معهد المخطوطات من هذه المخطوطة ليست من أصل الكتاب وأنها أضيفت إليه أما الصحيفة الأخيرة من الكتاب فيستفاد منها أن ناسخ المخطوطة هو أبو عبد الله محمد بن علي .. محمد بن المظفر الشامي أقضى القضاة .. وأنه "وقع الفراغ من تأليف هذا الكتاب صبيحة يوم الجمعة مستهل صفر من سنة ثم (كذا) وأربعمائة، وكتب علي بن محمد السمناني مؤلف هذا الكتاب، وهو يحمد الله ويصلي على محمد النبي وآله، ويسلم، ويسأل المغفرة والنفع في الدارين، وهو حسبه ونعم الوكيل".
إن الظاهر من أسلوب كتابة تاريخ تأليف هذا الكتاب في نسخة معهد المخطوطات أن كلمة (ثم) يحتمل أن تكون مختزلة من كلمة ثمانية أو ثمانين، فيكون تاريخ الكتاب هو سنة ثمانين وأربعمائة أي قبل وفاة مؤلفه بمدة تتراوح بين ١٣ - ١٩ سنة، على أن كتب الطبقات تشير -كما سنرى- إلى تاريخ آخر. وقد جاء في نسخة قليج علي باشا أن مصنف الروضة فرغ من تأليفها سنة ٤٧٨ هـ.
لقد صورت مخطوطة روضة القضاة لمعهد المخطوطات على (٣٣١) سليدة كل سليدة منها تحتوي على صحيفتين، عدا السليدة الأولى فإنها مؤلفة من صحيفة واحدة وفراغ، وبذلك تكون صفحات الكتاب عبارة عن (٦٦١) صحيفة في كل صحيفة قرابة ١٩ سطرًا وفي كل سطر قرابة (١١) كلمة. أما نسخة قليج علي باشا فيبلغ عدد صفحاتها (٥٢٠) صحيفة في كل صحيفة قرابة (٢٩) سطرًا وفي كل سطر قرابة (١٧) كلمة.
1 / 4
وبالرغم مما ورد في أول صحيفة من هذه المخطوطة من أنها بخط مصنفها فإن ما ورد في خاتمتها ينقض هذا الزعم كما أن أسلوب الكتاب، وما جاء فيه من اختزال بعض الكلمات أو سقوطها ومن أغلاط نحوية ليدل على أن هذه المخطوطة نسخت عن مخطوطة أخرى كانت بخط المصنف.
لمن صنفت الروضة؟
ويستفاد من مقدمة الكتاب أن السمناني صنفه بناء على طلب:
"نظام الملك وقوام الدين، العادل، العالم، المنصور، المظفر ... أبي علي الحسن بن (الحسين) بن علي بن إسحق، رضى أمير المؤمنين".
ونظام الملك هو الوزير السلجوقي الشهير مؤسس المدارس النظامية في بغداد وغيرها من حواضر الإمبراطورية السلجوقية. وقد كان الوزير معروفًا بميله لنشر العلم وتكوين طبقة من الكتاب والفقهاء تتولى تدبير تلك المملكة الفتية التي قامت على أثر هجرة تركية جارفة تزعمها السلاجقة، ولا غرو فقد كانت تلك السلطنة الناشئة الفتية بحاجة إلى تنظيم إداري تحصل به الموازنة بين السيف والقلم، وتستقر به دعائم المملكة السنية الناشئة على أنقاض الدولة البويهية الشيعية ولشدة حرصه على تنظيم دولة السلاجقة ألف بالفارسية كتابًا في السياسة عنوانه "سياستنامة". وكان مزاج ذلك العصر يميل إلى ربط كل دولة من دول الطوائف بمذهب تعتنقه الدولة وتتعصب له وهي خطة ممقوتة تركت آثارها السيئة في المجتمع الإسلامي عصورًا طويلة إلى أن أفاق من بدعتها والتزمت معظم الدولة الإسلامية المعاصرة جانب الحياد تجاه المذاهب وإن شذت عن هذه السياسة إيران وأفغانستان إذ اتخذت الأولى من الإمامية الاثنى عشرية واتخذت الثانية من الحنفية مذهبًا رسميًا مع أن الإسلام ولد ولا مذاهب فيه ويمكنه أن يستمر في الاضطلاع برسالته دون التقيد بمذهب أو التزام قول دون قول.
1 / 5
عصر البويهيين والسلاجقة وحظ الثقافة الإسلامية فيه:
ومهما يكن فإن العصر الذي عاش في ظل حضارته كل من السمناني ونظام الملك وظهرت آثاره في عمق ثقافة أولهما وتنوعها ومساعي ثانيهما وجهوده، إن هذا العصر يتسم بقيام الدولة السلجوقية السنية على أنقاض الدولة البويهية التي اصطنعت التشيع وأسرفت في تقييد سلطة الخلافة العباسية وإذلال الخلفاء العباسيين بالعزل وسمل العيون.
ولقد حققت القبائل التركية الموحدة في ظل زعامة السلاجقة ما عجز أسلافهم قبل الإسلام عن تحقيقه من استقلال عن تسلط الحكم الفارسي الساساني والسيادة الفارسية على الشعوب التركية المحاربة، فتهيأ بذلك للامة التركية -كما تهيأ من قبل للامة العربية- أن تبدأ مرحلة تكونها القومي الحديث بفضل اعتناق تلك القبائل المهاجرة الإسلام وتحولها من قبائل مبعثرة إلى أمة مجاهدة تضطلع برسالة الدين الإسلامي الحنيف وتدين للإسلام -كما دان العرب من قبل- بهذا التحول في البنية الاجتماعية فتسارع الخلافة العباسية إلى اصطناعها والاستعانة بها على التحرر من نير البويهيين، وما اصطنعه البويهيون من سياسة إذلال الخلافة العباسية، وما أدخلوه على المجتمع الإسلامي في العراق من عادات غير مألوفة هي في نظر أهل السنة وعقلاء الشيعة أنفسهم من البدع التي لا يقرها الإسلام. ومع ذلك فإن هذا السلطان السياسي والنتول القومي الذي تحقق في ظل الدولة السلجوقية لا يعني قيام القطيعة بين عناصر الثقافة الإسلامية التي اضطلع برسالتها الإنسانية الجامعة جميع العناصر القومية الإسلامية من عربية وفارسية وتركية، فقد كانت تلك الثقافة من القوة والفتوة بحيث لم يزدها قيام دول الطوائف إلا متانة ونتولا، ولذا فإن الدولة السلجوقية التركية احتضنت في مضمار الإدارة والثقافة كلًا من اللغتين العربية والفارسية، ولا غرو فإن القوميات الإسلامية تختلف مفاهيمها عن القوميات الغربية لأنها تقوم على أساس مما دعى إليه الإسلام من التعارف والتواضع لا التنابذ والتعالي ومن الأخوة البشرية لا البغضاء الشعوبية ومن أواصر القربي في الإنسانية التي تمت في البداية بأدم وتنتهي في النهاية إلى التراب.
1 / 6
هذه الحقيقة هي التي تفسر لنا أن الدولة السلجوقية الناشئة لم تكد تستقر لها أسباب الملك والسلطنة حتى سعت إلى حماية تلك الثقافة الإسلامية الجامعة، وجنحت إلى المذاهب المعتدلة في تصوير الخلافة ولم تجنح إلى سياسة شعوبية قاتمة تبصق في وجه الفلك من فرط حقدها، وشجعت تأسيس المدارس والجامعات وأتاحت فرصة استمرار انبثاق النبوغ في جميع أرجاء إمبراطوريتها، فنشأ في عصرها مفكرون وفلاسفة وفقهاء عظام، وكل ذلك بالرغم من عوامل الاضطراب التي كانت تشيع في الإدارة وجباية الضرائب، تلك العوامل التي كانت تبرر مصادرة أموال الوزراء والولاة وتعذيبهم بين فينة وأخرى، ذلك أن قيام دول الطوائف المتنافسة في قلب الخلافة الإسلامية من بويهية وسلجوقية وغيرها واستقرار سلطات تلك الدولة المتوثبة بعد فترة الاستيلاء العنيفة كان لا بد له من الشعور بعد ذلك بالحاجة الماسة إلى الاستقرار والتنظيم وإلى طائفة من رجال الفكر والإدارة والفقه وسائر ضروب المعرفة كيما يعود للدولة وللمجتمع ما فقداه من طمأنينة وأمن.
والحاصل فقد كانت منجزات السلاجقة -كما وصفها أحد الباحثين الناشئين- رائعة فقد قاومت الغزو الصليبي وأدركت مخاطر المذاهب الباطنية، ونشطت نشاطًا كبيرًا في إنشاء المدارس ودور العلم والعناية بالدارسين والباحثين "فكان محط نظرهم هو أن العلم من أهم الأسلحة التي ينبغي أن تتوفر للامة لصد العدوان عنها ورد كيد الطامعين فيها والطاعنين عليها".
وهكذا فإن القلق السياسي الذي كان شائعًا يومئذ لم يحل دون الاستقرار الثقافي والنتول الفكري في المجتمع الإسلامي، فكان ما يحل بالعالم الإسلامي من زعازع وقلاقل وكوارث سرعان ما يضمن التقدم الثقافي له سبيل الهداية والرشاد والتوجيه في ظل مبدأ دستوري إسلامي شهير هو مبدأ الأمر بالمعروف
1 / 7
والنهي عن المنكر، فلا عجب إن وجدنا دول الطوائف مرهفة الشعور بالحاجة الماسة إلى اصطناع الطبقة المثقفة ثقافة موسوعية جامعة، وقد كان من أعلام تلك الطبقة أسماء خلدها التاريخ كالغزالي والماوردي والسمناني ونظام الملك الذي أخذ بيد السمناني لما لمسه فيه من سعة الثقافة والدراية بالفقه والتاريخ وصنفت الروضة تعبيرًا عن عميق الولاء لذلك الوزير.
أهداف المصنف وخطته:
لقد رمى مصنف الروضة بتأليفه أن يكون كتابًا جامعًا مبسطًا بحيث "يحتاج إليه العلماء والمتعلمون والخاصة والعامة، ولا يستغني عنه في أدب الفقه (القضاء) على جميع مذاهب الفقهاء".
والواقع أن هذا الغرض المزدوج الجامع بين إفادة المتعلمين من ناشئة الفقهاء والمتضلعين منهم من الأغراض التي حرص على اتباعها في مصنف آخر مكمل لهذا الكتاب وردت إليه الإشارة في الروضة في باب "كاتب القاضي" حيث جاء "وقد صنفنا في الشروط كتابًا سميناه كنز العلماء والمتعلمين في علم الشروط".
وإلى مثل هذا الغرض رمى إمام الهدى الفقيه أبو الليث نصر بن محمد السمرقندي عند تصنيفه كتاب خزانة الفقه.
نحن إذن أمام مؤلف له هدف واضح، وهو فوق ذلك محيط بموضوعه وبما صنف فيه قبل ذلك من كتب إحاطة ناقد بصير، وقد صرح بنفسه بهذه الحقيقة فقال في مقدمته على الروضة.
صنف في ذلك كتب كثيرة كالذي صنفه الخصاف والطحاوي والاصطخري ومحمد بن الحسن (الشيبانى) وسائر شروح الضالعين فمنهم من أطال، ومنهم من قصر، ومنهم من قدم ما لا يحتاج إليه، ومنهم من أخر، ولم يرتب
1 / 8
الأبواب، ولا عقد الفصول، ولا كشف قناع العلم، ولا أتى ما يحتاج إليه على نمط الحاجة.
فالسمناني -كما ترى- مؤلف ناقد مضطلع أحاط بما كتب السابقون عليه في موضوعه من أعلام وضالعين فلم يتردد في نقد ما في كتب هؤلاء وأولئك وما وقعوا فيه من هنات.
ونحن إذن أمام مصنف فقهي على جانب من الأهمية كبير اختط مصنفه لنفسه خطة وتمسك بمنهج يفي في رأيه بالحاجة فلا تطويل فيه ولا تقصير ولا عجز عن النفاذ إلى صميم الموضوع. وهؤلاء الذين ذكرهم السمناني كانوا من أعلام الفقه في المذهبين الحنفي والشافعي فالخصاف هو أحمد بن عمرو الشيباني المتوفى ببغداد سنة ٢٦١ هـ ومن مصنفاته كتاب أدب القاضي، وكتاب الشروط الكبير وكتاب الشروط الصغير وكتاب المحاضر والسجلات وهي جميعًا من المراجع النظرية العلمية في دراسة نظام القضاء في الإسلام.
أما الطحاوي فهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدى ابن أخت الفقيه المزني الشهير في المذهب الشافعي. وقد انتقل الطحاوي من مذهب الشافعية إلى مذهب الحنفية وألف مختصرًا شهيرًا في الفقه وتوفي بمصر سنة ٣٢١ هـ.
ومن مصنفات الطحاوي نظام القضاء والفقه العملي:-
١ - الشروط الصغير
٢ - والشروط الكبير
٣ - والشروط الأوسط
٤ - والمحاضر والسجلات
1 / 9
وقد أشار السمناني إلى أن للطحاوي أدب الحكام الصغير وأدب الحكام الكبير ونقل عنهما.
وأما الاصطخري فالمقصود به أبو سعيد الحسن بن أحمد ابن يزيد بن عيسى بن الفضل بن بشار (أو يسار) بن عبد الحميد بن عبد الله بن هاني بن قبيصة بن عمرو بن عامر وقد وردت ترجمته في طبقات الفقهاء للشيرازي (ص - ٩١) حيث قال عنه:-
كان قاضي قم، وولي الحسبة، وكان ورعًا متقللًا، ولد في سنة ٢٤٤ ومات في سنة ٣٢٨ هـ وصنف كتابًا حسنًا في أدب القضاء.
وأضاف السبكي في طبقات الشافعية الكبرى أنه كان أحد الرفعاء من أصحاب الوجوه وقال الخطيب كان أحد الأئمة المذكورين ومن شيوخ الفقهاء الشافعيين.
وقد ورد ذكره في البداية والنهاية لابن كثير في حوادث سنة ٣٢٨ هـ فجاء علاوة على ذلك أنه ولي بعد قضاء قم "حسبة بغداد، فكان يدور بها، ويصلي على بغلته، وهو دائر بين الأزقة، وله كتاب القضاء لم يصنف مثله في بابه، توفي وقد قارب التسعين".
مراجع أخرى:
وأما محمد بن الحسن الشيباني فهو من أعلام المذهب الحنفي فقد كان صاحب الإمام أبي حنيفة ومدون المذهب صحب أبا حنيفة وأخذ الفقه عن أبي يوسف ودون الموطأ وحدث به عن مالك وهو اليوم موضع عناية الفقهاء الغربيين أنفسهم فقد كتب عنه الدكتور أوتوسبيس Otto Spies الأستاذ في جامعة بون مقالة نشرت في أعمال المؤتمر الدولي الخامس للقانون الموازن المنعقد في بروكسي سنة ١٩٥٨ (مجلد ١ ص ١٢٥ - ١٢٩) بعنوان فقيه عظيم من فقهاء المسلمين، وقد ذهب في هذه المقالة إلى إعلاء شأن أبي يوسف والشيباني في تطوير المذهب الحنفي وبيان ما كان لهما من جهود وآثار.
1 / 10
على أن السمناني لم يكتف بالرجوع إلى ما صنفه هؤلاء في نظام القضاء بل رجع إلى مراجع فقهية أخرى في المذهبين الحنفي والشافعي حيث نجده يشير في مواضع مختلفة إلى هذه المراجع بأسمائها وأسماء مصنفيها تارة أو بأسماء مصنفيها فقط بحيث يمكن أن نقول أنه رجع إلى:
١ - المذهب للشيرازى
٢ - الخلاف للقدوري
٣ - كتاب المزنى (المختصر)
٤ - مختصر الطحاوي، وأدب الحكام وأدب القضاء الصغير
٥ - شرح الدامغانى لمختصر الحاكم
٦ - مختصر الكرخي
٧ - محمد بن الحسن الشيباني في كتاب الدعوى
٨ - الجامع الصغير لمحمد بن الحسن الشيباني والأصل والزيادات
٩ - الأمالى لأبي يوسف
١٠ - القدوري في التجريد
١١ - الخصاف في المفصل، وأدب القضاء
١٢ - علي بن موسى القمي: أحكام القرآن الصغير
١٣ - أبا عبيدة في الغريب
١٤ - مختصر أبي موسى الضرير
١٥ - ابن سماعه: النوادر والأمالي
١٦ - القضاء للاصطخري (الشافعي)
1 / 11
١٧ - شروط الأصبغ
١٨ - عيون المسائل لأبي الليث السمرقندي
ومما يستحق الإشارة في هذا الصدد أن روضة القضاء خلت من الإشارة إلى ما كتبه الماوردي في الحاوي عن أدب القاضي مع أن الماوردي توفي قبل السمناني بتسع وأربعين سنة، فهل معنى هذا أن السمناني لم يطلع على كتاب الحاوي؟ مهما يكن من الأمر فإن كلا المصنفين رجعا إلى مراجع مشتركة في مقدمتها مصنف الاصطخري الشهير.
خطتنا في تعريف الكتاب وموضوعه:
مما سلف يتبين لنا أن مصنف روضة القضاة كان نقادة والكتاب يعالج موضوعًا لم يزل بحاجة إلى المزيد من الدرس والعناية، لقلة ما حقق ونشر عنه، ولتهجم بعض الغربيين وادعائهم أن القضاء الإسلامي تأثر بدوره بنظم القضاء الرومية والفارسية كما تأثرت نظم الدواوين الإسلامية. وخصائص هذا النظام الطريفة لم يكشف عنها القناع لتتجلى في ضوء البحث الموازن وتعرب عن أصالتها وطرافتها ومحاسنها وهناتها.
وإلى جانب كل ذلك فهذا الكتاب صنف بعد مرحلة طويلة من النمو والتطور خطا فيها بحث أدب القضاء خطوات متعاقبة، وألف فيه فقهاء أعلام ممن ذكرهم السمناني وغيرهم والعصر الذي ألف فيه هذا الكتاب بلغت فيه حركة التأليف في شتى فروع الفقه مرحلة بالغة من التطور والنضج ورسخت فيه أساليب علم الخلاف في استعراض مختلف أبواب الفقه دون تعصب أو غلو.
كل هذه الحقائق تدعونا بعد هذه التوطئة لتعريف المصنف والكتاب أن نبسط القول فندرس الموضوعات الآتية:
١ - نظام القضاء في الإسلام وخصائصه.
1 / 12
٢ - سيرة مصنف الكتاب وآثاره وثقافته.
٣ - ما أضافه هذا الكتاب إلى موضوع نظام القضاء من جديد سواء من حيث صياغة المبادئ أو تعليل الفروق بين مختلف آراء المذاهب أو التزام الأسلوب العقلي الهادئ المحايد إلى حد كبير من الحياد العلمي الذي أتيح لأبناء ذلك العصر.
خصائص النظام القضائي في الإسلام:
للنظام القضائي في الإسلام تاريخ طويل حافل بالحركة والنضال في سبيل العدل والإنسان والحق والشرع، وملامح جذابة لما فيها من طرافة، ولقد توثقت صلتي بهذا النظام منذ أن صنفت كتابي "الوجيز في المرافعات المدنية والتجارية" إلى أن درسته في جانبيه الفقهي النظري والتاريخي وأعددت فيه أبحاثًا مخطوطة رأيت أن أخدمها بنشر بعض ما صنف في أدب القضاء لتزداد ثروتنا ومراجعنا في هذا المضمار.
والواقع أن النظام القضائي في الإسلام تمكن في خلال تاريخه الحافل في بعض العصور بالحركة والكفاح والتطور والمتناقضات أن يملي على صفحة الفقه والقضاء أروع القواعد والمبادئ التي تكلفت برعاية حقوق الإنسان وصيانه كرامته وعرضه وماله من التعدي والإتلاف والغصب والجور والشطط.
وحسبك أن تعلم أن المدين كان يباع بالدين في شريعة روما ومصر وأعراف الغرب قبل الإسلام فلما هيمن الشرع الإسلامي على مصر وطولب القضاء الإسلامي ببيع المدين بالدين تقرر أن المدين لا يباع بالدين كالسلعة ولكن يترك ليسعى لنفسه وللدائنين.
ولقد خاض هذا النظام في سبيل تحقيق ذلك أعنف المعارك وامتحن فيه بعض القضاة أقسى امتحان وحفل بأكثر الآراء والحلول تنوعًا ومراعاة لجوانب مختلفة من العدالة المحضة والمصلحة والضرورة ودون تاريخه سطورًا من نور
1 / 13
ولكن هذا التاريخ لم يخل من عصور انحطاط وقضاة سوء استباحوا الرشوة وحادوا عن جادة الحق وسجلت كتب تاريخ القضاة عنهم اسوأة السير والصفحات بكل صراحة وتندر حتى أصبح لدينا تاريخ حافل بهذه المتناقضات وأضيف إلى ثروتنا الأدبية فصل خاص بما قيل في القضاة من قدح وذم وتجريح وسخرية.
وإلى جانب كل ذلك فإن للنظام القضائي الإسلامي خصائصه الخاصة ببنيته وتركيبة ينفرد بها عن سائر النظم القضائية حيث قام بالدرجة الأولى على أساس نظام القاضي الفرد الذي أتيح له استشارة الفقهاء في مجلسه وخارج مجلس الحكم وهذا الطراز من المحاكم يرجع إلى تقاليد العرب قبل الإسلام حيث ساد نظام التقاضي لدى حكم أو كاهن فرد ولا صلة له بطراز المحاكم في الشرائع القديمة الأخرى.
ولم يحظ حكم القاضي في ظل هذا النظام بدرجة كافية من القطيعة بل كان عرضة للنقض في الأمور غير الاجتهادية وفق شروط وفروض معينة كما كان القاضي نفسه عند عزله عرضة "للإيقاف" أي لعرضه على الحساب الدقيق والسؤال والمراجعة.
وهذا أغرب ما في هذا النظام بالقياس إلى سائر النظم القضائية في مختلف الشرائع المعروفة ودليل على مدى تغلغل مبدأ سيادة القانون في هذا الشرع الذي تقرر فيه خضوع الحاكم والمحكوم لحكم القاعدة القانونية ومسؤولية أولي الأمر عما عهد إليهم الاضطلاع به من الشؤون العامة والخاصة.
لقد منح الإسلام للقاضي سلطة واسعة وأناط به مهمات خطيرة، ولكنه جعله مسؤولًا مسؤولية خطيرة في دنياه وآخرته حتى شبه من ولي القضاء بمن ذبح بغير سكين.
1 / 14
لقد كان القضاء في عصور طويلة يتمتع بأخطر مركز بعد مركز الخلافة، ولذا كانت دراسة تاريخه من الأمور المتمتعة والجديرة بالبحث لأنها قمينة بأن تكشف لنا النقاب عن طبيعة نظام الحكم في الإسلام، وعن نوع من الديمقراطية والعدالة حاول الإسلام إناطة تحقيقها بالقضاء، وأكد فيها على العدالة والمساواة أمام الشرع وعلى سيادة الشرع على جميع المكلفين حكامًا ومحكومين وعلى التزام القضاء الحياد التام بين المراكز والحقوق فسطر بذلك أنبل ما رمت إلى تحقيقه الثورة الفرنسية من حقوق الإنسان قبل أن تولد هذه الثورة، وأن تسطر فلسفتها بعصور وعصور. ولكن الفقه أناط بالقضاة مهمة النضال في سبيل هذه المبادئ ولم ينط ذلك بقواعد موضوعية أو إجراءات محددة معقدة مضمونة الجواب اللهم باستثناء حق القاضي في تفتيش السجون وإطلاق سراح المسجونين ظلمًا.
ولذا فقد تشدد الفقه الإسلامي في صفات القضاة وأعوانهم والشهود وتزكيتهم وتعديلهم، وتشدد السمناني أكثر من غيره لعلة سنشير إليها، ولكنه لم يخدع بما اشترطه هو والفقهاء من قبله فقد اعترف لنا بمرارة بواقع الحال حيث أتيح له معاشرة شيخه قاضي القضاة الدامغاني ثلاثين سنة تولى فيها الشيخ قاضي القضاة منصب القضاء فحدثنا في مواضع مختلفة عن واقع القضاة وعن مجلس شيخه.
تلك هى خصائص النظام القضائي في الإسلام، ولسنا بحاجة إلى أن نطيل القول فيها أكثر من ذلك ولا أن نعرض على القارئ القواعد الدستورية التي حررها الفقه في هذا المضمار لأن كل ذلك سيذكر في كتابنا المفرد لنظام القضاء الإسلامي ولكننا سنكتفي في آخر هذا البحث باستنباط بعض القواعد من كتاب السمناني ليكون مجموعها أنموذجًا لهذا الدستور.
لم يكن السمناني إذن نقالة جماعة في تصنيفه بل كان نقادة رسم لنا الجانب النظري ولم يخف علينا واقع حال القضاء في عصره فنقل إلينا من تجاربه وملاحظته سير الواقع ومجرى الأحداث ما يجعل المتعة المرجوة من كتابه مضاعفة، ولا غرو فقد اكتوى السمناني نفسه بنار القضاء -كما سنرى- وقد أتيح له
1 / 15
أن يختبر ما سن من القواعد المثالية لدستور القضاء في ساحة القضاء نفسه فلم يكذب علينا ولا خاتل ولكنه لم يحد عن احترامه لشيخه قاضي القضاة وإعجابه به، وبما كان يجري عليه العمل في زمانه في مجلس حكمه.
وثمة أشياء أخرى يكشف عنها النقاب كتاب الروضة فإن مؤلفه لم يكتف بتقرير أحكام نظام القضاء في الإسلام ولكنه بين لنا وجه استنباط تلك الاحكام والقواعد فلم يكن يكتفي بالقياس على نظم الفقه الخاص من وكالة ونيابة بل كان يلحظ الفرق بين الأمرين أحيانًا وكان في مواضع أخرى يعمد في الاستنباط إلى مقتضيات الحاجة والمصلحة.
والواقع أن جميع هذه الحقائق تبدو جلية في كتاب روضة القضاة حيث يقرر السمناني في مواضع مختلفة منها أوجه القياس على الوكالة، ويقرر أحيانًا وجود الفارق بين القضاء والإمامة وبين الوكالة، وحيث يذكر بصراحة أن الإمامة نيابة عن الامة، وحيث يعرض علينا محاولة الفقه تخفيف عبء الحساب والمسؤولية عن عاتق القاضي المعزول بجعل القول قوله فيما يدعى عليه.
ترجمة السمناني:
مولده ودراسته:
وردت ترجمة السمناني في كل من الجواهر المضية (ج ١ ص ٣٧٥ - ٣٧٧) والفوائد البهية (ص ١٢٣ - ١٢٤) ومنهما يستفاد أنه علي بن محمد بن أحمد الرحبي أبو القاسم ويعرف بابن السمناني. ذكره أبو عبد الله محمد بن عبد الملك بن إبراهيم الهمداني في طبقات أبي حنيفة فقال:
"مولده رحبة مالك بن طوق".
1 / 16
ورد على قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي الدامغانى الكبير فقرأ عليه مذهب أبي حنيفة.
وقرأ الكلام والأصول على أبي علي بن الوليد.
وكانت له تصانيف في الفقه والشروط والتواريخ وكتاب في أدب القضاء سماه روضة القضاة وهو تصنيف لطيف فرغ منه سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
وقد نسب لفخر الدين الزيلعي كتاب يسمى روضة القضاة وطريق النجاة، ولكن صاحب الفوائد البهية يقول أن الظاهر أن هذا خطأ (ص ١٢٤ منه).
وثمة كتاب آخر يسمى روضة القضاة في المحاضر والسجلات تأليف مصطفى بن الشيخ محمد الرومي الحنفي المتوفي سنة ١٠٩٧ أشار إليه ذيل كشف الظنون (مجلد ١ ص ٥٩٦) ولا ندري هل العلاقة بين الكتابين قاصرة على اقتباس اسم الثاني من الأول أم أن الثاني رجع إلى الأول في موضوعه ومادته أيضًا.
1 / 17
ثقافته:
فالسمناني إذن كان فقيهًا ومؤرخًا ولغويًا تثقف بثقافة عصره من فقه وكلام وأصول وتاريخ الخ، وصنف روضة القضاة وطريق النجاة في موضوع من أهم موضوعات الفقه الإسلامي، ومما يستدل به على ثقافته اللغوية مشاركته في حركة شرح النصوص الأدبية فإن في حوزة مكتبة الأوقاف العراقية مخطوطًا عنوانه:
حاشية على مقامات الحريرى. وقد جاء في دليل هذه المكتبة المسمى بالكشاف أن هذه الحاشية بقلم أبي القاسم علاء الدين محمد بن علي السمناني المتوفي سنة ٤٩٣ هـ وهذه المخطوطة مرقمة بالرقم ٢٩٩.
آثاره:
صنف السمناني في موضوعات متعددة في الفقه وأصوله والتاريخ واللغة وروضته من أهم ما صنفه في الفقه فلنعد إليها فإنها محور هذا التعريف:
لقد أشرنا من قبل إلى أن أحكام منصب القضاء تنير لنا أهم جوانب الفقه الإسلامي ونعني بذلك الجانب العام من هذا الفقه المعني بتصوير هذه السلطة من سلط الدولة سلطة القضاء، فأحكام القضاء إذن من أهم موضوعات "الفقه العام المقابل للقانون العام في القوانين الوضعية في عصرنا هذا وإن لم يعرف الفقه الإسلامي هذه التفرقة بين الفقه العام والفقه الخاص كما عرفت القوانين الوضعية تفرقة مثلها بين القانونين العام والخاص.
ولقد سلك الفقهاء في تدوين أحكام هذه السلطة والقواعد المنظمة لها مسلكين:
فمنهم من عالجها باعتبار موضوعات من جملة موضوعات الفقه فلم يفردها بمؤلف فرد مستقل، ومنهم من أفردها بمؤلف خاص كما فعل السمناني حين أفردها بكتابه الفرد الجامع لمباحث هذه السلطة وقواعدها على أن من الفريق الأول من أسهب في التأليف وأطنب حتى جاء بحثه في أدب القضاء أشبه بمصنف فرد في الموضوع كما فعل الماوردي في الحاوي.
1 / 18
ومن مزايا كتاب الروضة أنه لم يقتصر على سرد وجهة نظر المذهب الحنفي وحده ولكنه عالج موضوعه علاجًا جامعًا موازنًا فعرض لمختلف وجوه النظر في المذاهب الإسلامية المختلفة من حنفية وشافعية وزيدية وإمامية وخوارج وأكثر من الموازنة بالدرجة الأولى بين أقوال الحنفية والشافعية وكل ذلك على طريقة علم الخلاف أي على طريقة الفقه الموازن بمصطلح عصرنا هذا إن صحت هذه الاستعارة فاتسع بذلك أفق هذا الكتاب، وقد كان الدامغاني أستاذ السمناني من المتضلعين بعلم الخلاف فنقل عن بعض مصنفاته وأشار إلى ما جرى عليه العمل في تلك الفترة الطويلة التي تولى فيها شيخه المذكور منصب قاضي القضاة فجاء كتاب الروضة جامعًا بين ما دونه الفقه في موضوع القضاء من قواعد نظرية وبين ما أسفر عنه العمل والتطبيق من حقائق، وهذه أهم ميزة انفرد بها هذا الكتاب عن سائر ما ألف في موضوعه.
إن المعضلة التي يواجهها الباحث في العلوم الإنسانية هي معضلة استحالة اختبار النظم في مختبر وإجراء التجارب عليها تمحيصًا لها، ولكن السمناني أتيحت له هذه الفرصة النادرة في مجلس قضاء شيخه حيث سجل لنا في نهاية أكثر فصول كتابه صورًا ممتعة مما كان يقع في ذلك المجلس ووازن بينها وبين ما قرره الفقهاء ورسموه للقضاء من قواعد نظرية فكان ذلك المجلس مختبرًا للنظام القضائي في عصره.
ومع أن هذا الكتاب متواضع العنوان إذ يقتصر على الإشارة إلى "القضاة" والقضاء فإن موضوع الكتاب في الحقيقة أوسع من ذلك:
١ - فقد عني السمناني بجميع جوانب الفقه الإسلامي العام بما عقده من موازنات بين الخلافة والقضاء، وبين سلطة القاضي والإمام. وما يشترط في كل منهما من الصفات، وكيف يعزل كل منهما الخ فجاء بذلك كتابًا جامعًا في الفقه الإسلامي العام غير قاصر على بحث سلطة القضاء وبذلك يمكن القول أن السمناني كان من فقهاء الفقه العام إلى جانب تضلعه بالفقه الخاص، وأنه بذل في تطوير مبادئ الفقه العام جهودًا، وقدم لنا نماذج من الصياغة القانونية في هذا المضمار،
1 / 19
شأنه في ذلك شأن الماوردي وإن لم يلغ شأن الماوردي لإقلاله وإكثار الماوردي فيما صنف من كتب في حقل الفقه العام.
٢ - وقد عقد السمناني في آخر كتابه فصولًا أرخ فيها للقضاة إلى زمانه فدل بذلك على مدى تضلعه في تاريخ الإسلام.
وإلى جانب ذلك فإن مؤلف روضة القضاة كان نسيج وحده كما يظهر من مقدمة كتابه، فإنه لم يقتصر على جمع أقوال من تقدمه من المؤلفين السابقين في هذا الموضوع ولكنه نظر فيما ألفوه نظرة الناقد الفاحص فتكشفت له عيوب تآليفهم من تقصير وتقديم ما لا يحتاج إليه من مقدمات إلى غير ذلك من المآخذ فحاول أن يحترز منها. والواقع أن طريقة هذا المؤلف في الجمع بين أسلوبي النقد والتجميع إن دلت على شيء فإنما تدل على سعة اطلاعه وتوقد ذكائه في تلك الحياة المضطربة التي قاسى آلامها وشدائدها ولم تنصفه في أعز الأشياء عليه وعلى كل إنسان كما سنرى.
(٢) هذا عن الروضة وللسمناني في موضوع القضاء العملي كتاب أشار إليه إسماعيل باشا البغدادى في كتابه هدية العارفين وأسماه "العروة الوثقى في الشروط".
وحدثنا السمناني نفسه عن كتاب له في هذا الفن سماه "كنز العلماء والمتعلمين في علم الشروط" فهل هما كتاب واحد أم كتابان؟
هذا ما لا نستطيع الإجابة عليه جوابًا جازمًا فلنكتف بالنظر إلى ما ذكره السمناني نفسه عن كنزه حيث قال في روضة القضاة في باب كاتب القاضي:
وقد كنا صنفنا في الشروط كتابًا سميناه كنز العلماء والمتعلمين في علم الشروط على نمط يخالف في التراتيب سائر كتب من تقدم وهو مما لا يستغني عنه عالم ولا متعلم، وفيه من الفقه والتعليل لكل شرط، وذكرت خلاف الناس فيه".
1 / 20
فالروضة والكنز كلاهما يعالجان نظام القضاء الروضة من جوانبه النظرية ويتناوله الكنز من جوانبه العملية والتطبيقية، فيعنى ببحث الشروط وفي هذا يقول السمناني في تحديد العلاقة بين كتابيه هذين:
"ففيه ما يعين على هذا الكتاب (الروضة)، كما أن في هذا الكتاب ما يعين على ذاك".
٣ - وإلى جانب كتابي الروضة والكنز تشير كتب الطبقات كما ذكرنا إلى أن للسمناني تصانيف في الفقه ولا نعلم عن هذه التصانيف شيئًا حتى الآن.
٤ - كما تشير هذه المراجع إلى أن للسمناني تصانيف في التواريخ.
٥ - وللسمناني كما قلنا شرح على مقامات الحريري منه نسخة مخطوطة في مكتبة الأوقاف العراقية وقد اطلعت عليها فوجدت في آخرها العبارة الختامية الآتية "تم الكتاب بعون الملك الوهاب على يد مؤلفه العبد الفقير إلى الله الغني به علي بن محمد المدعو بعلاء السمناني، بلغه الله كل ما يهواه من المطالب والأماني ليلة السبت وقت العشاء السابع عشر من شعبان ...: ومن المؤسف له أن تاريخ سنة الكتابة قد طمس بحيث لا يقرأ.
٦ - وله أيضا سراج المصلي وشروط الصلاة أشار إليه بروكلمان في الملحق ١ ص ٦٣٨ وذكر أن نسخة خطية منه في مكتبة قليج برقم أ، ٣٧٨.
1 / 21
حياة السمناني المضطربة:
هذا المصنف المثقف المتعدد جوانب الفكر والثقافة النقادة الفاحص المتأمل لم يها في حياته بما يحقق له العزة والكرامة وإن بلغ في زمن نظام الملك مرتبة "صاحب الخبر" فقد نكب منذ اللحظة التي حملت فيها أمه في نسبه حيث شاءت الأقدار أن تحمل به أمه وأن تناصبها العداء زوجة حرة فتحمل زوجها على بيع تلك الجارية المنكودة قبل أن تظهر عليها علامات الحمل لمن يحملها إلى خارج العراق ويسدل الستار عليها وعلى من ستلده.
كانت حياة السمناني إذن مضطربة قاسى فيها الأمرين من الشدائد والآلام في مجتمع كان يضع أبناء الجواري في منزلة دنيا، ولا يفسح لهم مجال التقدم إلا بشق الأنفس، فقد ولد من جارية ولادة مغمورة ونشأ في رحبة مالك بن طوق على الفرات، بعيدًا عن كنف أبيه محرومًا من شفقته ومن أخوة أخيه لأبيه، ولكنه تمكن من شق طريق الحياة بصبر وأناة وكانت أمه حريصة على أن ترفعه إلى المنزلة التي أريد إقصاؤها عنها فدفعته إلى دور العلم وأوصته أن يعود أدراجه إلى موطن آبائه وأجداده إلى العراق ليدرس الفقه على الدامغاني قاضي القضاة، ويبلو خلو الحياة ومرها فتمكن من شق طريق الحياة بصبر وأناة ولم يعلن الثورة على المجتمع إعلان مستهتر بالقيم والتقاليد ولا إعلان ناقم على الأوضاع والنظم ولكنه أعلنها إعلان مؤمن بالحق والمثل العليا ووجد ضالته في القضاء فتمسك بكل ما يحقق مثله الأعلى فيه من شروط الكمال فبرهن بذلك على أصالة نفسه وكان- كما قيل- كثير الشبه بأبيه.
وحين تمكن من ثقافة عصر وبلغ فيها ما بلغ توفي أخوه من الزوجة الحرة، فأراد أن يثبت نسبه من أبيه، وأن يبرهن أن أمه الجارية كانت في الحقيقة أم ولد، وأنها حملت به من قاضي الموصل أبي جعفر السمناني، ولكنه أخفق في إثبات هذا النسب، ولم يلتفت إلى دعواه قاضي القضاة رغم شدة الشبه بينه وبين أبي جعفر السمناني، فقد طعن النسب بأنه: لا تصح منه الدعوى
1 / 22