لمّا حصر عثمان ﵁، قال لبعض جلسائه: وددت أن رجلا صدقا «١» أخبرني عني وعنهم. فقام فتى من الأنصار وقال: يا أمير المؤمنين إنك تطأطأت لهم فركبوك، وتغافلت فسلبوك، وما جرّأهم على ظلمك إلّا إفراط حلمك، قال: صدقت، اجلس. ثم قال: ما يشبّ نيران الفتن؟ قال: سألت عن ذلك شيخا من تنوخ كان باقعة البقّاع «٢»، فقال: يشبّها أمران: أحدهما أثرة تضغن الخاصة والثاني حلم يجرّىء العامّة. قال: فما يخمدها؟ قال: يقول الشيخ: يخمد الفتن في ابتدائها استقالة العثرة، وتعميم الخاصّة بالأثرة، فإذا استحكمت أخمدها الأزم «٣» . قال عثمان: فهو ذاك حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.
سأل يزدجرد حكيما: ما صلاح الملك؟ قال: الرفق بالرعية، وأخذ الحق منها بغير عنف، والتودّد إليها بالعدل، وأمن السّبل، وإنصاف المظلوم. قال:
ما يثير الفتنة؟ قال: ضغائن تحقدها جراءة عامّة ويولّدها استخفاف خاصّة، ويؤكّدها انبساط الألسن بضمائر القلوب، وإشفاق موسر وأمن معسر وعطلة ملتذّ ويقظة محروم. قال: فما يسكنها؟ قال: أخذ العدّة لما يخاف وإيثار الجدّ حين يلتذّ الهزل، والعمل بالحزم، والادّراع للصبر، والرضا بالقضاء.
يقال: قد تعامل الرعية المتشمّرة للفساد بالرفق فتترك أحقادها وتذلّ مقادها، وقد تعامل بالخوف فتكاشف بما غيّبت، وتقدم على ما تهيبت حتى يعود وفاقها
1 / 65