قال أبو بكر ﵁: إنّا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأخذ لهم درهما ولا دينارا، ولكن أكلنا من جريش «١» طعامهم، ولبسنا من خشن ثيابهم، وليس عندنا من فيئهم إلّا هذا الناضح، وهذا العبد الحبشيّ، وهذه القطيفة «٢» فإذا قبضت فادفعوها إلى عمر. فلمّا قبض أرسلوها إليه، فبكى حتى سالت دموعه ثم قال: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده. شأن الهمم العالية الإعراض عن الزخرف الحائل، والإقبال على ما هو باق غير زائل.
كان عمر بن عبد العزيز من أشدّ الناس تنعّما قبل الخلافة، ولما ولي زهد في الدنيا. وخطب في جمعة فقوّمت ثيابه فلم تبلغ قيمتها ثلاثة دراهم. ويقال: من شهد من سوّاه زهد فيمن سواه، ومن عرف الإله لم يألف إلّاه. قبل سعيد بن المسيّب مال السلطان من الخمس ولم يقبله الثّوري «٣»، وقال: أعلم أنه لي حلال، ولكن أكره أن يقع لهم في قلبي مودّة. الحسن: لا يردّ جوائز الأمراء إلّا مراء أو أحمق. ونهى الثوري عن القرب من المنبر، فقيل: أليس يقال: ادن واستمع؟ قال: ذاك لأبي بكر وعمر والخلفاء، وأمّا هؤلاء فتباعد عنهم ولا تستمع كلامهم ولا تر وجوههم. قال الفقيه: كنت أفتي بعدم أخذ الإجارة على تعليم القرآن وبحرمة دخول العلماء على السلاطين، وبمنع العالم من الخروج إلى الرستاق «٤»، فرجعت عن الكلّ، لضياع القرآن وحاجة الخلق ولجهل أهل الرستاق.
1 / 54