الشهداء وأحق بهذا، وأنهم أحياء في قبورهم، ونحن نرى الشهداء رميما، وربما أكلتهم السباع، ومع ذلك ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ﴾ ١، فحياتهم حياة برزخية، الله أعلم بحقيقتها.
والنبي ﷺ قد مات بنص القرآن والسنة، ومَنْ شك في موته فهو كافر. وكثير من الناس خصوصا في هذه الأزمنة يدعون أنه ﷺ حي كحياته لما كان على وجه الأرض بين أصحابه، وهذا غلط عظيم؛ فإن الله ﷾ أخبر بأنه ميت، وهل جاء أثر صحيح أنه باعثه لنا في قبره كما كان قبل موته؟
وقد قام البرهان القاطع أنه لا يبقى أحد حيا حين يقول الرب سبحانه-: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ ٢، فيكون ﷺ قد مات، ثم بعث في قبره، ثم مات، فيكون له ثلاث موتات، ولغيره موتتان، وقد قال أبو بكر-﵁ لما جاءه بعد موته: "أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها، ولن يجمع الله عليك موتتين".
وقال -سبحانه- عن جميع أهل الجنة: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى﴾ ٣ يعني: التي كانت في الدنيا؛ أفيكون الرسول قد مات موتة ثانية بعد الموتة الأولى؟ وأيضا لو كان حيا في قبره مثل حياته على وجه الأرض، لسأله أصحابه عما أشكل عليهم، قال عمر ﵁ "ثلاث وددت أني سألت رسول الله ﷺ عنهن: الجد، والكلالة، وأبواب من الربا".
فهلا جاء إلى قبره واستسقى بالعباس، ولم يجيئ إلى قبره يستسقي به!
ومعلوم ما صار بعده ﷺ من الاختلاف العظيم، ولم يجيئ أحد إلى قبره ﷺ يسأله عما اختلفوا فيه. وفي
_________
١ سورة آل عمران آية: ١٦٩.
٢ سورة غافر آية: ١٦.
٣ سورة الدخان آية: ٥٦.
1 / 128