والإلهية، ولو كان كما زعم القائل أن المخاطِب لموسى غير الله، كان يقول ذلك المخاطِب: يا موسى إن الله رب العالمين، يا موسى الله ربك، لا يجوز له أن يقول: إني أنا الله رب العالمين، إني أنا ربك، وهذا مما احتج به الإمام أحمد على الجهمية، فيا له من بيانٍ ما أوضحه! وحجةٍ ما أقطعها للمنازع!
وأما قولكم: إن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم ولسان وشفتين، فهذا باطل، لأن الله تعالى- قال للسماوات والأرض: ﴿ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ ١، أتُراها قالت بفم ولسان وشفتين؟! والجوارح إذا شهدت على الكافر فقالوا: ﴿لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ ٢، أتراها نطقت بلسان وأدوات؟! وقال: ﴿وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ ٣ أتراها تكلمت بجوف وفم، ولسان وشفتين؟! ولكن الله أنطقها كيف شاء، فكذلك تكلم الله كيف شاء، من غير أن نقول: بجوف ولا فم، ولا لسان ولا شفتين، وقال النبي ﷺ: "إني لأعرف حجرا كان يسلم عليَّ" ٤ وسبح الحصى في كف رسول الله ﷺ وكف أبي بكر وعمر، وعثمان، وقال ابن مسعود: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل، وجاء أن في آخر الزمان يكلم الرجل سوطه، ونحو ذلك كثير.
ولا خلاف في أن الله قادر على أن ينطق الحجر الأصم من غير مخارج، فبطل ما ادعوه من أن الحروف لا تكون إلا من مخارج.
ومن الدليل على اتصاف الله بالكلام حقيقة قوله -تعالى-: ﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا﴾ ٥، نبه بهذا الدليل على أن من لا يكلم ولا يهدي، لا يصلح أن يكون إلها، وكذلك قوله -تعالى- في الآية الأخرى عن العجل: ﴿أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ
_________
١ سورة فصلت آية: ١١.
٢ سورة فصلت آية: ٢١.
٣ سورة يس آية: ٦٥.
٤ مسلم: الفضائل (٢٢٧٧)، والترمذي: المناقب (٣٦٢٤)، وأحمد (٥/٨٩،٥/٩٥)، والدارمي: المقدمة (٢٠) .
٥ سورة الأعراف آية: ١٤٨.
1 / 108