الطائي:
ومما كانت الحكماء قالت
لسان المرء من خدم الفؤاد
للخط صورة معروفة، وحلية موصوفة وفضيلة بارعة، ليست لهذه الأوصاف؛ لأنه ينوب عنها في الإيضاح عند المشهد ويفضلها في المغيب، وكفى بفضيلة العلم والخط قول الله - عز وجل:
الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم (العلق: 4، 5)، وأقسم به كما أقسم بغيره ثم أقسم بما يكتبه القلم إفصاحا عن حاله، وإعظاما لشأنه وتنبيها لذكره. فقال:
وما يسطرون (القلم: 1).
ومن فضيلة الخط: أنه لسان اليد، ورسول الضمير، ودليل الإرادة، والناطق عن الخواطر، وسفير العقول ووحي الفكر، وسلاح المعرفة، ومحادثة الأخلاء على التنائي، وأنس الإخوان عند الفرقة، ومستودع الأسرار، وديوان الأمور، وترجمان القلوب، والمعبر عن النفوس، والمخبر عن الخواطر، ومورث الآخر مكارم الأول والناقل إليه مآثر الماضي والمخلد له حكمته وعلمه، والمسامر للعين بسر القلب، والمخاطب عن الناصت، والمجادل عن الساكت، والمفصح عن الأبكم، والمتكلم عن الأخرس الذي تشهد له آثاره بفضائله، وأخباره بمناقبه، وقد وقعت البلاغة من العلم علو القدر، وباذخ العز: كأبي مسلم صاحب الدولة فرقت شمله، وبددت جمعه ونقضت برمه، وأفسدت صلاحه، وضعضعت بنيانه مع ذكائه وتفطنه، ومكايده ودهائه وأصالة رأيه وشدة شكيمته، وامتناعه على أبي جعفر ونفاره عنه، كيف استفزه ابن المقفع وصالح بن عبد القدوس وجبل بن يزيد واستمالوه بسحر ألفاظهم وبلاغة أقلامهم، حتى نزل من باذخ عزه وجاء مبادرا، حتى وقع في الشرك المنصوب له فتفرق جمعه، وانطفأ نوره وصار خبرا سائرا ورسما وأثرا.
ورفع القلم خاشع الطرف، صغير الخطر، لئيم الجنس، درج من عش التجار، ونشأ بين المكيال والميزان، كيف أشالت البلاغة بضبعيه، ورفعت من ناظريه، حتى شافهت به عنان السماء، ورفعت بناءه فوق البناء، حتى طلبه الراكب، وقصده الطالب، وخشعت له الرجال، ولحظته العيون بالوقار، وتمكن من الصنائع، ومدت نحوه الأصابع، فشكرت منه اللفظة، ورجيت منه اللحظة، كمحمد بن عبد اللمك بن الزيات، وفيه يقول علي بن الجهم:
أحسن من عشرين بيتا سدا
جمعك معناهم في بيت
Page inconnue