من الزجاج لقلنا بئسما نظما
والياقوت حسن، وهو في جيد الحسناء أحسن، وكذلك الشعر الجيد مونق، ولكنه من أفواه العظماء آنق، والتاج الشريف بهي المنظر، وهو على الملك أبهى، كما قال ابن الرقيات: «يعتدل التاج فوق مفرقه.»
قال أبو العتاهية لابن مناذر بلغني أنك تقول الشعر في الدهر والقصيدة في الشهر. فقال: نعم لو رضيت لنفسي أن أؤلف تأليفك وأقول: يا عتب يا درة الغواص؛ لقلت في اليوم والليلة ألف قصيدة.
وقال عمر بن لجأ لشاعر: أنا أشعر منك، قال: ولم؟ قال: لأنك تقول البيت وابن عمه وأنا أقول البيت وأخاه.
فإن منيت بحب الكتابة وصناعتها والبلاغة وتأليفها، وجاش صدرك بشعر معقود أو دعتك نفسك إلى تأليف الكلام المنثور، وتهيأ لك نظم هو عندك معتدل وكلام لديك متسق، فلا تدعونك الثقة بنفسك والعجب بتأليفك، أن تهجم به على أهل الصناعة؛ فإنك تنظر إلى تأليفك بعين الوالد لولده، والعاشق إلى عشيقه كما قال حبيب:
ويسيء بالإحسان ظنا لا كمن
هو بابنه وبشعره مفتون
ولكن أعرضه على البلغاء والشعراء والخطباء ممزوجا بغيره؛ فإن أصغوا إليه وأذنوا له وشخصوا بالأبصار واستعادوه وطلبوه منك وامتزج، فاكشف من تلك الرسالة والخطبة والشعر اسمه وانسبه إلى نفسك، وإن رأيت عنه العيون منصرفة والقلوب عنه واهية؛ فاستدل به على تخلفك عن الصناعة وتقاصرك عنها، واسترب رأيك عند رأي غيرك من أهل الأدب والبلاغة: فقد بلغني أن بعض الملوك دعا إنسانا إلى مؤانسته حتى ارتفعت الحشمة بينهما، فأخرج له كتابا قد غشاه بالجلود، وجمع أطرافه بالإبريسم وسوى ورقه وزخرف كتابته، وجعل يقرأ عليه كلاما قد حبره فيه ونمقه عند نفسه، وجعل يستحسن ما لا يحسن، ويقف على ما لا يستثقل قراءته، حتى أتى على الكتاب. فقال له: كيف رأيت ما قرأت عليك؟! فقال: أرى عقل صانع هذا الكلام أكثر من كلامه، ففطن له ولم يعاوده، إلى أن وقف به على تنور مسجور، ثم قذف بالكتاب في النار، وهذا رجل في عقله فضل، وفيه تمييز.
وإنما البلية فيمن إذا بينت له سوء نظمه واختياره، ووقفته على سخافة لفظه؛ هجرك وعاداك، فاجعل هذا الأصل ميزانا تزن به مذهبك في رسائلك وبلاغتك، ولا تخاطبن خاصا بكلام عام ولا عاما بكلام خاص، فمتى خاطبت أحدا بغير ما يشاكله، فقد أجريت الكلام غير مجراه وكشفته، وقصدك بالكلام الشريف للرجل الشريف، تنبيه لقدر كلامك ورفع لدرجته قال:
فلم أمدحك تفخيما لشعري
Page inconnue