ومر جندك بالصمت وقلة التلفت إلى المشار له، وكثرة التكبير في أنفسهم والتسبيح بضمائرهم وألا يظهروا تكبيرا، إلا في الكرات والحملات، وعند كل زلفة يزدلفونها، فأما وهم وقوف فإن ذلك من الفشل والجبن، وليكثروا من: لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم انصرنا على عدوك وعدونا الباغي، واكفنا شوكته المستحدة وأيدنا بملائكتك الغالبين، واعصمنا بعونك من الفشل والعجز، إنك أرحم الراحمين.
وليكن في عسكرك مكبرون بالليل والنهار، قبل المواقع، يطوفون عليهم يحضونهم على القتال ويحرضونهم على عدوهم، ويصفون لهم منازل الشهداء وثوابهم، ويذكرونهم الجنة ورخاء أهلها وسكانها، ويقولون: اذكروا الله يذكركم واستنصروه ينصركم، وإن استطعت أن تكون أنت المباشر لتعبية جندك، ووضعهم من رايات ومعك رجال من ثقات فرسانك ذوو سن وتجربة ونجدة على التعبية، وأمير المؤمنين واصفها لك في آخر كتابه هذا - إن شاء الله - أيدك الله بالنصر وغلب لك على القوة، وأعانك على الرشد وعصمك من الزيغ، وأوجب لمن استشهد معك ثواب الشهداء ومنازل الأصفياء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ومن الرسائل المفردات في الشطرنج
أما بعد: فإن الله شرع دينه بإنهاج سبله، وإيضاح معالمه بإظهار فرائضه، وبعث رسله إلى خلقه دلالة لهم على ربوبيته، واحتجاجا عليهم برسالاته، ومقدما إليهم بإنذاره ووعيده ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، ثم ختم بنبيه
صلى الله عليه وسلم
وحيه، وقفى به رسله وابتعثه لإحياء دينه الدارس، مرتضيا له على حين انطمست له الأعلام مختفية، وتشتت السبل متفرقة، وعفت آثار الدين دراسة وسطع رهج الفتن، واعتلى قتام الظلم واستنهد الشرك وأسدف الكفر.
وظهر أولياء الشيطان لطموس الأعلام، ونطق زعيم الباطل بسكتة الحق، واستطرق الجور واستنكح الصدوف عن الحق، واقمطر سلهب الفتنة واستضرم لقاحها وطبقت الأرض ظلمة كفر وغيابة فساد - فصدع بالحق مأمورا وبلغ الرسالة معصوما، ونصح الإسلام وأهله دالا لهم على المراشد، وقائدا لهم إلى الهداية ومنيرا لهم أعلام الحق ضاحية، مرشدا لهم إلى استفتاح باب الرحمة، وإعلان عروة النجاة، موضحا لهم سبل الغواية، زاجرا لهم عن طريق الضلالة، محذرا لهم الهلكة موعزا إليهم في التقدمة ضاربا لهم الحدود على ما يتقون من الأمور ويخشون، وما إليه يسارعون ويطلبون، صابرا نفسه على الأذى والتكذيب، داعيا لهم بالترغيب والترهيب، حريصا عليهم متحننا على كافتهم، عزيزا عليه عنتهم رءوفا بهم رحيما تقدمه شفقته عليهم، وعنايته برشدهم إلى تجريد الطلب إلى ربه فيما فيه بقاء النعمة عليهم وسلامة أديانهم، وتخفيف أواصر الأوزار عنهم، حتى قبضه الله إليه
صلى الله عليه وسلم
ناصحا متنصحا أمينا مأمونا، قد بلغ الرسالة وأدى النصيحة، وقام بالحق وعدل عمود الدين، حتى اعتدل ميله وأذل الشرك وأهله، وأنجز الله له وعده، وأراه صدق أسبابه في إكماله للمسلمين دينه، واستقامة سنته فيهم وظهور شرائعه عليهم، قد أبان لهم موبقات الأعمال، ومفظعات الذنوب ومهبطات الأوزار وظلم الشبهات، وما يدعو إليه نقصان الأديان وتستهويهم به الغوايات، وأوضح لهم أعلام الحق، ومنازل المراشد، وطرق الهدى وأبواب النجاة، ومعالق العصمة غير مدخر لهم نصحا، ولا مبتغ في إرشادهم غنما.
فكان مما قدم إليهم في نهيه، وأعلمهم سوء عاقبته وحذرهم إصره، وأوعز إليهم ناهيا وواعظا وزاجرا الاعتكاف على هذه التماثيل من الشطرنج، والمواصلة عليها؛ لما في ذلك من عظيم الإثم وموبق الوزر مع مشغلتها عن طلب المعاش، وإضرارها بالعقول ومنعها من حضور الصلوات في مواقيتها مع جميع المسلمين، وقد بلغ أمير المؤمنين أن ناسا ممن قبلك من أهل الإسلام قد ألهجهم الشيطان بها، وجمعهم عليها وألف بينهم فيها، فهم معتكفون عليها من لدن صبحهم إلى ممساهم، ملهية لهم عن الصلوات شاغلة لهم عما أمروا به من القيام بسنن دينهم، وافترض عليهم من شرائع أعمالهم مع مداعبتهم فيها، وسوء لفظهم عليها، وأن ذلك من فعلهم ظاهر في الأندية والمجالس، غير منكر ولا معيب ولا مستفظع عند أهل الفقه وذوي الورع والأديان والأسنان منهم، فأكبر أمير المؤمنين ذلك وأعظمه، وكرهه واستكبره وعلم أن الشيطان عندما يئس منه من بلوغ إرادته في معاصي الله - عز وجل - بمصر المسلمين ومجمعهم صراحا وجهارا أقدم بهم على شبهة مهلكة، وزين لهم ورطة موبقة، وغرهم بمكيدة حيله إرادة لاستهوائهم بالخدع واجتيالهم بالشبه، والمراصد الخفية المشكلة، وكل مقيم على معصية الله صغرت، أو كبرت مستحلا لها مشيدا بها مظهرا لارتكابه إياها، غير حذر من عقاب الله - عز وجل - عليها، ولا خائف مكروها فيها، ولا رعب من حلول سطوته عليها حتى تلحقه المنية فتختلجه، وهو مصر عليها غير تائب إلى الله منها، ولا مستغفر من ارتكابه إياها، فكم قد أقام على موبقات الآثام، وكبائر الذنوب حتى مد به مخرم أيامه!
Page inconnue