ثم عليهم بعد ذلك ألا يتركوا محسنا بغير جزاء، ولا يقروا مسيئا ولا عاجزا على الإساءة والعجز؛ فإنهم إن تركوا ذلك تهاون المحسن، واجترأ المسيء وفسد الأمر وضاع العمل.
اقتصاد السعي أبقى للجمام، وفي بعد الهمة يكون النصب، ومن سأل فوق قدره استحق الحرمان.
سوء حمل الغنى أن يكون عند الفرح مرحا، وسوء حمل الفاقة أن يكون عند الطلب شرها، وعار الفقر أهون من عار الغنى، والحاجة مع المحبة خير من الغنى مع البغضة. والدنيا دول؛ فما كان منها لك أتاك على ضعفك، وما كان عليك لم تدفعه بقوتك.
إذا جعل الكلام مثلا كان أوضح للمنطق، وأبين في المعنى، وآنق للسمع، وأوسع لشعوب الحديث.
أشد الفاقة عدم العقل، وأشد الوحدة وحدة اللجوج، ولا مال أفضل من العقل، ولا أنس آنس من الاستشارة.
مما يعتبر به صلاح الصالح وحسن نظره للناس؛ أن يكون إذا استعتب المذنب ستورا لا يشيع، وإذا استشير سمحا بالنصيحة مجتهدا للرأي، وإذا استشار مطرحا للحياء، ومعترفا للحق.
القسم الذي يقسم للناس ويمتعون به نحوان: فمنه حارس، ومنه محروس، فالحارس العقل، والمحروس المال.
والعقل - بإذن الله - هو الذي يحرز الحظ ويؤنس الغربة، وينفي الفاقة ويعرف النكرة، ويثمر المكسبة ويطيب الثمرة ويوجه السوقة عند السلطان، ويستنزل للسلطان نصحة السوقة، ويكسب الصديق، وينفي العدو.
كلام اللبيب وإن كان نزرا أدب عظيم، ومقارفة المأثم وإن كان محتقرا مصيبة جليلة، ولقاء الإخوان وإن كان يسيرا غنم حسن.
قد يسعى إلى أبواب السلطان أجناس من الناس كثيرا، أما الصالح فمدعو ، وأما الطالح فمقتحم، وأما ذو الأدب فطالب، وأما من لا أدب له فمحتبس، وأما القوي فمدافع، وأما الضعيف فمدفوع، وأما المحسن فمستثيب، وأما المسيء فمستجير؛ فهو مجمع البر والفاجر، والعالم والجاهل، والشريف والوضيع.
Page inconnue