على الشرفة الأمامية بمنزل لويس كانت توجد أريكة عتيقة وبعض السجاجيد الصغيرة المعلقة فوق سور المنزل. سارت أمامي عبر الفناء. كان شعرها الطويل الباهت مربوطا خلف رقبتها، وبشرتها يتناثر عليها النمش، لكنها لم تكن مسمرة، حتى عيناها كانتا فاتحتي اللون. كانت فاترة ونحيلة وشاحبة. ثمة سخرية، وجاذبية كبيرة أيضا، في فمها. اعتقدت أنها في نفس سني أو تكبرني قليلا.
فتحت لويس الباب الأمامي ثم قالت بصوت واضح ورسمي للغاية: «أود أن أعرفك على عائلتي.»
كانت الحجرة الأمامية الصغيرة مغطاة بمشمع الأرضية، بينما تنسدل ستائر ورقية مزينة بالزهور على النوافذ. احتوت الغرفة كذلك على أريكة لامعة تحمل وسادة منقوشة عليها شلالات نياجرا وأخرى منقوشا عليها «إهداء إلى أمي»، وموقد أسود صغير مطوق بغطاء لحمايته من حرارة الصيف، وزهرية كبيرة تحوي أزهار التفاح الورقية. دخلت امرأة طويلة القامة وهزيلة إلى الحجرة وهي تجفف يدها بمنشفة صحون قذفتها فوق أحد الكراسي. كان فمها مليئا بأسنان من البورسلين بيضاء مائلة إلى الزرقة، بينما تهتز سلاسل طويلة حول رقبتها. قلت لها: كيف حالك؟ وأنا أستشعر الحرج من إعلان لويس المفاجئ للغاية والتقليدي على نحو متعمد لحضورنا. تساءلت إن كان لديها أية تصورات خاطئة عن هذا الموعد الغرامي، الذي دبره جورج لأغراض معينة؟! لكني استبعدت ذلك. فلم يحمل وجهها أية سذاجة ظاهرة، بل كان ينم عن سعة معرفة وهدوء وعدائية. ربما فعلت ذلك، إذن، لتستهزئ بي، لتجعلني أظهر في صورة كاريكاتورية ساخرة «للرفيق»، الصبي الذي يبتسم ابتسامة واسعة ويمشي متثاقلا في الردهة الأمامية منتظرا تقديمه إلى أسرة الفتاة الجميلة. لكن ذلك بعيد الاحتمال قليلا، لماذا سترغب في إحراجي في حين أنها وافقت على الخروج معي دون أن تنظر إلى وجهي حتى؟ لماذا ستهتم بهذا الأمر لهذا الحد؟
جلست أنا ووالدة لويس على الأريكة. وبدأت تتجاذب معي أطراف الحديث؛ مما جعل الموقف يتفق مع سيناريو «الرفيق» الكاريكاتوري. لاحظت الرائحة المنتشرة بالمنزل؛ رائحة الحجرات الصغيرة العتيقة، أغطية الأسرة، والقلي، والغسيل، والمراهم الطبية، ورائحة القذارة، رغم أن البيت لم يبد قذرا. قالت أم لويس: «إنها سيارة جميلة تلك التي تقف بالخارج. هل هي سيارتك؟» «إنها سيارة أبي.» «أليس هذا رائعا! أن يمتلك أبوك مثل هذه السيارة الجميلة؟ لطالما اعتقدت أنه من الرائع أن يقتني الناس الأشياء. لا أحتمل التعامل مع أولئك الناس الذين يملؤهم الحقد والحسد. إنه لأمر رائع. من المؤكد أن أمك، في كل مرة ترغب في أي شيء، تتجه إلى المتجر فحسب وتشتريه، سواء كان معطفا جديدا، ملاءة سرير، مقلاة أو وعاء. ماذا يعمل أبوك؟ أهو محام أم طبيب أم شيء من هذا القبيل؟» «هو محاسب قانوني.» «آه، يعمل لدى مكتب، أليس كذلك؟» «أجل.» «شقيقي - خال لويس - يعمل في فرع شركة سي بي آر في لندن. إنه يتولى منصبا رفيعا هناك. حسب علمي.»
ثم بدأت في إخباري عن ملابسات مقتل والد لويس في حادث عند الطاحونة. لاحظت وجود امرأة عجوز - الجدة على الأرجح - تقف عند مدخل الحجرة. لم تكن نحيلة مثلهم، لكنها كانت رخوة وبلا قوام مثل طبق من حلوى البودنج المنسكبة، تنتشر على وجهها وذراعها بقع بنية شاحبة متداخلة، وتنمو شعيرات قصيرة خشنة حول الجزء المبتل المحيط بفمها. بدا أن جزءا من الرائحة في المنزل ينبعث منها. كانت رائحة تعفن خفي، كما لو كان هناك حيوان ما صغير ميت أسفل الشرفة. الرائحة، والصوت اللامبالي والمفعم بالثقة أعطياني انطباعا بأن ثمة خطبا ما في هذه الحياة لم أعهده من قبل، ثمة خطب ما بهؤلاء الناس. خطر ببالي أن أمي وأم جورج ساذجتان. حتى جورج، جورج ساذج. لكن أولئك الآخرين، ولدوا ماكرين وحزانى وواسعي الخبرة.
لم أسمع الكثير عن والد لويس فيما عدا أن رأسه قطع. «انفصل رأسه تماما، لك أن تتخيل، وتدحرج فوق الأرض! لم أستطع فتح النعش. كان ذلك في شهر يونيو، كان الجو حارا. وقد جرد جميع من في البلدة حدائقهم، جردوها من أجل الجنازة، قطفوا زهور شجيرات الزينة وورود الفاوانيا والياسمين البري المتسلق. أعتقد أنه كان أسوأ حادث وقع في هذه البلدة على الإطلاق. كان للويس رفيق لطيف هذا الصيف. اعتاد اصطحابها للخارج وأحيانا ما كان يمكث للمبيت عندما لا يكون أهله في الكوخ الصغير وهو لا يرغب في قضاء الوقت هناك وحده. كان يحضر الحلوى للأطفال وحتى أنا كان يحضر لي هدايا. هذا الفيل المصنوع من البورسلين بالأعلى هناك، يمكن زراعة زهور به، لقد اشتراه لي. كما أصلح الراديو لنا ولم أضطر إلى أخذه إلى محل التصليحات. هل يملك أهلك كوخا صيفيا هنا؟»
أجبتها بالنفي، دخلت لويس، ترتدي ثوبا ملونا بالأخضر والأصفر، مشدودا ولامعا كأوراق تغليف هدايا الكريسماس، وحذاء ذا كعب عال، وحليا من الماس الزائف، بينما نثرت الكثير من البودرة الداكنة فوق النمش. تحمست أمها لرؤيتها.
قالت: «أنت تحبين هذا الثوب، لقد قطعت المسافة إلى لندن كاملة وابتاعت ذاك الثوب، لم تشتره من أي مكان من هنا!»
اضطررنا إلى المرور بجانب السيدة العجوز أثناء خروجنا. نظرت إلينا بإدراك مفاجئ، واستقرت عيناها الشاحبتان الهلاميتان. ارتعد فمها فاغرا، ودفعت وجهها في مواجهتي.
ثم قالت بصوت عجوز قوي، صوت المرأة الريفية الأجش: «افعل ما يحلو لك مع حفيدتي، لكن عليك توخي الحذر. أنت تعي ماذا أقصد!»
Page inconnue