L'homme qui ne peut pas être déplacé

Hitaïrus d. 1450 AH
14

L'homme qui ne peut pas être déplacé

الرجل الذي لا يمكن تحريكه

Genres

أذكر أنني لم أنبس ببنت شفة، ركضت إلى غرفتي، كنت أبكي بشدة، كان الأمر صحيحا، لست سوى فتاة متبناة، ثم تذكرت كل تلك السنوات، لست سوى عربية بحياة فرنسية، تذكرت جلول الشاب العربي الذي هزأنا منه أنا وصديقاتي حينما كنا نرفع تنانيرنا له، وحينما يخفض عينيه نشتمه ونحتقر بدائيته وهمجيته، تذكرت حينما نظر إلي بوقاحة، بكره وبغضب، تذكرت فرحتي لما كنت أسمع اعتقال رجل عربي، أو لما ينكلون بعائلة عربية، وأنا أشجعهم من الشرفة ، تذكرت كل شيء، تذكرت كل شيء إلا انتمائي الوحيد، وها أنا أبلغ أشدي ولا أعرف من أنا أو لمن أنتمي، حملت قبعتي وخرجت راكضة من المنزل، لحقني والدي وهو يصرخ: سيلين، سيلين، توقفي لحظة، سيلين.

لما ابتعدت التفت للمرة الأخيرة، رأيته يجلس على ركبتيه يبكي أشبه بصبي صغير، ما كان يجب أن أغادر المنزل، كنت أحبهما، كانا والدي، وركضت أبكي متجهة إلى الصالون، وأخفيت ملامحي بقبعتي، أركض في سرعة، وبعد مدة بلغت شارعا، قطعته بسرعة، لكنها كانت أبطأ في لحظة واحدة، سمعت صراخ البشر من حولي، أصواتا كثيرة لم أفهم منها سوى ...

احذري.

ورافق الصراخ، أبواق السيارات، رفعت قبعتي بسرعة والتفت إلى جانبي، كانت الحافلة أقرب بكثير، وخلف الزجاج، يفعل السائق كل ما في مقدوره ليوقفها، وبتباطؤ الزمن، فكرت في كل شيء، ما كان يجب أن أغادر المنزل وتمنيت لحظتها أن أعود إلى ماما، أن أخبرها أنني أحبها، أن أعود إلى والدي، أن أساعده في الوقوف، أن أمسح دموعه وأعانقه، لكن فجأة تسارع الزمن.

قبل 42 سنة من جلوسي قرب المشرد،

أراضي «فارم دو شيلون»

اقترب العربي من القرية بعد مسيرة أيام رفقة ابنه محمد، كانوا قد قطعوا أميالا قبل أن يبلغوا الحدود الشمالية لتلك الهضاب الخضراء، صنعت زراعة الكروم معظم تلك الخضرة. أراض شاسعة يملكها الفرنسيون، ويقيمها العرب ويحفظون استمرارها، وقد انتقل العربي وابنه لسبب وجيه، سبب اكتشفه ابنه بعد سنوات، فلن يتنقلا للنزهة في أرض كهذه تتسع لتبلغ كل الأماكن، فتختلف الحرارة في كل مكان، وباختلاف الحرارة، يختلف تساقط الأمطار، ونسبة المطر والحرارة، تخلقان نوعا من الانتقاء الطبيعي، فتتقسم الطبيعة نفسها إلى أنواع عديدة، فتتغير الموجودات والكائنات وحتى البشر، وبتغير البشر تتغير الطباع والعادات والمفاهيم. هذا العربي قدم من الجنوب، والشمال يخالف الجنوب في كل شيء، إلا أن سببا وجيها دفعه ليسير كل هذا المسير؛ معرفته أن من طلبه سيتجه جنوبا مجددا، جنوبا إلى مدى بعيد، مدى ربما لم يبلغه قط العربي وابنه، وقد كان ذلك أشبه بتحد له ؛ ماذا يوجد إن تعمق أكثر جنوبا؟ ماذا يوجد خلف هذا الجنوب؟ كان السيد الفرنسي يجلس عند مدخل بيته الشاسع، المشيد على الطريقة الإسبانية، كان قد شيد قبل مائة سنة، مائة سنة من مولد السيد الفرنسي. اقترب العربي ودنا من السيد الفرنسي الذي أحاط به بعض العرب يتقدمهم مترجم، وكلبة تجلس في هدوء. جلس الجميع عند المدخل، وكان أشبه بحديقة صغيرة. رفض العربي أن يأكل شيئا مما عرضه السيد الفرنسي، كان يتعجل إنهاء الأمر، وقد سأل عن إمكانية التعجيل في الذهاب جنوبا، كان الفرنسي رجلا لبقا، وقد اشترط أن يجلس الجميع معا لوجبة العشاء قبل التحدث، ثم إنه من الجيد التحدث والبطون ممتلئة. فكر العربي بذلك، كان على ابنه أن يأكل شيئا، وقد وافق على ذلك من أجله فقط، لم يكن معتادا على البقاء بالبيوت لوجبة العشاء وللسمر، فمكانه في الخارج وسط الصحراء، إلا أن الضرورة هذه المرة ستدفعه إلى التريث قليلا. ليس سيئا أن يجلس الجميع لتناول الطعام والتحدث، ربما سيتعلم ابنه كيف يكون الحديث وسط الكبار ووسط النبلاء، ربما سيتعلم كيف يعامل الفرنسيين، بعد الأكل. تكلم الرجل الفرنسي، كان قد أخبرهم أنه يجب التوجه إلى الجنوب الغربي، ستحمل القافلة بكل اللوازم، سيتسلح الرجال، ربما البعض فقط، فلا حاجة لهم لكل ذلك الحذر. وتساءل العربي عن سبب التوجه إلى الجنوب الغربي، لا شيء هناك سوى الصحراء التي تنتهي إلى البحر الكبير (المحيط الهادئ) كان قد ذهب عدة مرات إلى هناك ولا شيء هناك سوى بعض البدو والكثير من الحديد، وكان السيد الفرنسي يود اكتشاف مكان ما بالجنوب به قبيلة محلية عرف عنها قدرة استرجاع الموتى، أسطورة أخبره بها أحد البرتغاليين الذين ينقلون الماس من الجنوب، حتى إنه أقسم أنه رأى صديقه يعود إلى الحياة، وقد فكر الفرنسي أن الجنوب الغربي هو الوجهة، أن تلك القبيلة بمكان هناك، ربما ستتيح له فرصة استرجاع زوجته المنتحرة. اعتبر العربي أن ذلك مضيعة للوقت، ونصح بالتوجه إلى الجنوب دون التفات أو ما شابه ذلك ، التوغل إلى قلب القارة هو أفضل وجهة، لأنه حينما تتسع اليابسة وتبتعد عن البحر ستجد كل شيء، أخبره أن المعجزات لا تقبل الضيق ولا ترضى بالبحار، الأساطير تولد بقلب اليابسة، بأعمق نقطة فيها، كما ولد الإسلام بقلب الصحراء، تعالت أصوات العرب تلك الليلة، مجدوا الرب لكنهم اعتبروا ذلك خطيرا، الجنوب يحوي باب الجحيم (وهي أسطورة العرب عن كون الجنوب بابا للجحيم) وأنه لا يمكن لأحد أن ينجو هناك، وحتى قبل أن يقترب من باب الجحيم، فإن قطاع الطرق يستقرون هناك هربا من الحكومة الفرنسية ومن المقاومة. كانت تلك رحلة انتحارية فكر بها العربي، لكن السيد الفرنسي أعجبه ما سمع منه؛ سيسيرون إلى الجنوب، سيتوغلون إلى قلب القارة، سيبلغون باب الجحيم، وسيتجاوزونه إلى ما خلف ذلك. وكان للعربي فكرة غريبة تخالف ما عرفه باقي العرب، فكرة أن ما خلف الجنوب يوجد الشمال، وقد اتجهت القافلة إلى وجهتها، لم تبتعد كثيرا؛ حوالي 340 ميلا جنوبا عن القرية، قبل أن تدفعهما المقاومة إلى العودة، توفي العربي في تلك الرحلة وعاد الفرنسي بابنه (ابن العربي وكان اسمه محمد) إلى القرية، مرت سنوات وجلس الرجل الفرنسي قبالة باب بيته الإسباني مرة أخرى، جلس قرب كلبة أخرى، فقد توفيت تلك الكلبة التي توجهت معه جنوبا. كان أعجز من أن يقوم بمغامرة أخرى وحده، حتى إنه قام بنشر تلك الأسطورة وسط كل الأثرياء الفرنسيين، ما يوجد بجنوب الصحراء أغلى من كل الأراضي، أغلى من الذهب والألماس، واجتمع العديد من الرجال ببيته في عدة مناسبات للتحدث عما يوجد بالجنوب. كبر الصبي (ابن العربي) في العمل هناك رفقة السيد الفرنسي، ورافقه في كل ما قام به من الأعمال، واستمروا على تلك الحال إلى أن اقترب رجل مرة أخرى من باب الفرنسي، اقترب رجل جريء، ومثلما كنت أسرد، كان السيد الفرنسي يجلس بمدخل منزله، تجلس إلى جانبه كلبة أخرى. دنا السيد منه، وقام أحد الخدم بتقديمه.

قال السيد الفرنسي: أرجو ألا أكون قد أطلت عليك، ميسيو جاك (وجلس إليه لشرب الشاي ).

قال صاحب البيت: لا، لا، ميسيو جوناثان (أشار له باحترام)، إنه يسعدني أنك بلغتنا سالما، هل سنتحدث بخصوص الرحلة؟

أجاب السيد في سرعة: أجل، أكيد، لا أود أن نضيع مزيدا من الوقت. إذن هل تم الأمر؟ - آسف، أعتقد أن هناك مشكلة. - أي نوع من المشاكل؟ (بجدية.) - أقصد أن فتانا تزوج. - وسيمنعه ذلك من مرافقتنا؟ - ربما. (فكر وهو يضع يده على فمه.) - إذن (تساءل صاحب البيت وهو يرتشف مزيدا من الشاي). - حسنا دع الأمر لي، سيكون من الجيد لو ألتقيه شخصيا. ماذا لو استضفته هنا؟ - سأعمل على ذلك (فكر قليلا)، وهل ستخبره بهدف الرحلة؟ - أعتقد أنه يجب أن نبقي ذلك لأنفسنا، لتفادي الأقاويل، أنت تعرف العرب وباب الجحيم الخاص بهم. - هناك شيء إضافي. - أجل، تفضل رجاء، كلي أذان صاغية ميسيو جاك. - سأرافقكم. (لم ينبس السيد ببنت شفة.) - حسنا لن أتوجه أكثر من نصف الطريق. - آه، وما الهدف؟ (في تعجب واضح.) - لنقل إنني سأستقر بمكان هناك، في انتظار عودتكم، يجب أن أكون أول من يرى ما جلبتموه. - جيد، ربما (فكر قليلا)، حسنا سيكون لك ذلك.

Page inconnue