Ragnarok : La Fin des Dieux
راجناروك: نهاية الآلهة
Genres
لقد كانت مخلوقا ضخما. دفعت نهايات الجذور الحادة كالإبر في غطاء التربة السميك. وبعد النهايات المحجوبة جاءت الخيوط والحبال والحزم الغليظة التي جست وأمسكت وبحثت. وامتدت جذورها الثلاثة تحت المروج والجبال، وتحت «ميدجارد»، الأرض الوسطى، وخرجت إلى «يوتنهايم»، موطن عمالقة الجليد، ثم نزلت في الظلام إلى أبخرة «هيل».
كان جذعها الطويل يتكون من حلقات خشبية مضغوطة، كل منها داخل الأخرى، تتجه نحو الخارج. وبالداخل بالقرب من قشرتها، توجد حزم من الأنابيب، تسحب أعمدة لا تنقطع من الماء إلى الأغصان وقمة طرف الشجرة. حركت قوة الشجرة تدفق الماء، وصولا إلى الأوراق، التي تفتحت في ضوء الشمس، وخلطت الضوء والماء والهواء والتربة لتكوين مادة خضراء جديدة، تتحرك مع الرياح، وتمتص المطر. تغذت هذه المادة الخضراء على الضوء. وفي الليل، عندما يتلاشى الضوء، كانت الشجرة تستعيده، وتسطع لفترة وجيزة في الشفق مثل مصباح شاحب.
كانت الشجرة تأكل وتؤكل، وتتغذى ويتغذى عليها. كانت شبكتها ومساراتها السفلية الشاسعة من الجذور موبوءة ومحاطة بخيوط من الفطريات التي تتغذى على الجذور، وتزحف كالديدان نحو الخلايا نفسها وتمتص الحياة منها. وفي بعض الأحيان فقط كانت هذه الكائنات الخيطية المزدهرة تندفع لأعلى عبر أرض الغابة، أو من خلال لحاء الشجرة، لتكون فطر عيش الغراب أو عيش الغراب السام، وهو فطر قرمزي اللون وصلب ومرن، مع بثرات بيضاء، ومظلات هشة شاحبة اللون، ونتوءات ذات طبقات خشبية على اللحاء نفسه. أو كانت تخرج من الأرض على هيئة سيقان تعلوها كرات الفطر النفاث التي تنفجر وتنشر الخلايا الأحادية مثل الدخان. كانت تتغذى على الشجرة، ولكنها تحمل الغذاء إليها في الوقت نفسه، فتات دقيق يحمل في عمود الماء الذي يتدفق لأعلى.
وهناك ديدان، مكتنزة كأصابع اليد، وملساء كالشعر، تندفع بأنوفها الخشنة عبر غطاء التربة، وتأكل الجذور، وتخرج فضلاتها التي تكون بمثابة غذاء للجذور. كما تنشط الخنافس في اللحاء، حيث تصر وتثقب، وتتكاثر وتتغذى، وتلمع كالمعادن، بلونها البني الذي يشبه الخشب الميت. أما نقار الخشب، فهو يحفر اللحاء ويأكل اليرقات المكتنزة التي تأكل الشجرة. وهي تلمع على الفروع، بلونها الأخضر والقرمزي، والأسود، والأبيض، والأرجواني. وهناك أيضا العناكب التي تعلقت بخيوط الحرير، بعدما حاكت شبكات منسوجة بدقة بأوراق الشجر والأغصان، واصطادت الحشرات، والفراشات، والعث الأملس، وصراصير الليل المتبخترة. وجحافل النمل التي احتشدت وكأنها جيوش مسعورة، أو ترعى حشرات المن الحلو، وتضربها بقرون الاستشعار الدقيقة. وتشكلت برك في الحفر التي تشعبت فيها الفروع، ونبتت الطحالب، وسبحت ضفادع الأشجار اللامعة في البرك، ووضعت بيضا هشا، وابتلعت الديدان المرتجفة والمتلولبة. وغردت الطيور على أطراف الأغصان وبنت أعشاشا من كل الأنواع، أكوابا طينية، وأكياسا مكسوة بالزغب، وأوعية ناعمة مبطنة بالقش، مخبأة في ثقوب داخل اللحاء. كان سطح الشجرة كله مكشوطا ومنبوشا، مقضوما ومثقوبا، مفروما ومهروسا.
رويت حكايات عن مخلوقات أخرى في المجتمع الكائن بين الفروع المنتشرة. فعند قمتها، على ما يبدو، وقف نسر، يغني بلا مبالاة عن الماضي، والحاضر، وما سيأتي. كان اسمه «ريسفلجر» (مبتلع اللحم)، وعندما يضرب بجناحيه، تهب الرياح، وتعوي العواصف. وبين عيني الطائر الضخم يقف صقر جميل، اسمه «فيدرفولنير». كانت الأغصان الضخمة تشكل مرعى للمخلوقات الآكلة العشب، وهي أربعة أيائل، «داين»، و«دفالين»، و«دونير»، و«دوراثرور»، وعنزة، اسمها «هيدرون»، التي كان ضرعها مليئا بخمر العسل. أما السنجاب الأسود النشط، «راتاتوسكر» (سن المثقاب)، فقد كان منهمكا في الصعود إلى قمة الشجرة ثم الهبوط سريعا إلى جذورها والعكس، حاملا رسائل شريرة من الطائر الجاثم على قمة الشجرة إلى التنين الأسود اليقظ، الملتف حول الجذور، واسمه «نيدهوجر»، والمتشابك مع ديدان ملفوفة فقست حديثا من بيضها. وكان «نيدهوجر» يقضم الجذور، التي تعيد تجديد نفسها.
كانت الشجرة ضخمة للغاية، وهي تدعم، أو تظلل، قصورا وقاعات عالية. لقد كانت عالما قائما بذاته.
ويوجد أسفلها بئر سوداء، بلا قرار، تمنح مياهها الداكنة الحكمة لشاربها، أو البصيرة على الأقل. وعند حافتها، تجلس «الأخوات القدريات»، «الاسكندنافيات»، اللواتي ربما أتين من «يوتنهايم». كانت «أورد» ترى الماضي، و«فيرداندي» ترى الحاضر، و«سكولد» ترى المستقبل. وقد سميت البئر «أورد» أيضا. كانت الأخوات غزالات؛ فقد كن يغزلن خيوط القدر. كما كن بستانيات الشجرة وحارساتها. ذلك حيث يسقين الشجرة بمياه البئر السوداء، ويغذينها بطمي أبيض نقي، اسمه «آور». وهكذا كانت الشجرة تتحلل، أو تتضاءل، من لحظة لأخرى، ولكنها في الوقت نفسه كانت دائمة التجدد. (3) «راندراسيل»
نمت في غابات الأعشاب البحرية شجرة هائلة من عشب الثور، إنها «شجرة البحر»، «راندراسيل». وقد تشبثت جذورها بشدة بالصخرة الموجودة في أعماق البحر، التي خرجت منها ساق الشجرة وكأنها سوط أطول من صواري المراكب أو عوارض أسقف المباني، لتكون بذلك الجذع. ارتفع الجذع عاليا من أعماق البحر إلى سطحه، وهو لا يزال زلقا، تضربه الرياح، ولكنه يتمايل بكسل وتراخ. انتشر الجذع على السطح عند نقطة التقاء الماء بالهواء مكونا أجمة من الأوراق السرخسية والشرائط الملونة، يطفو كل منها بواسطة جيب غازي، موجود في قاعدة الشجرة وكأنه كيس ممتلئ بالهواء. تحتوي الأوراق السرخسية المتفرعة، مثلها مثل أوراق الشجرة الموجودة على اليابسة، على خلايا خضراء تلتهم الضوء. تمتص مياه البحر الضوء الأحمر، بينما يمتص الغبار والحطام العائم الضوء الأزرق؛ ولذا غالبا ما تكون الأعشاب البحرية العميقة التي تقبع في الضوء الخافت حمراء اللون، بينما يمكن لتلك الأعشاب التي تطفو على السطح، أو التي تتشبث بالنتوءات الصخرية التي تغسلها أمواج المد، أن تكون خضراء براقة أو صفراء لامعة. نمت شجرة البحر بسرعة كبيرة. وتمزقت الشرائط الملونة ونبتت أخرى جديدة، وتدفق من الأوراق السرخسية بيض جديد على هيئة سحب بيضاء، أو خضراء، من المخلوقات البحرية التي تسبح بحرية ثم تتشبث بالصخور. كانت المخلوقات في الغابة المائية تأكل وتؤكل، مثلما هو الحال في جذور الشجرة وأغصانها على اليابسة.
تتغذى الحلزونات المتجولة وبزاق البحر على الشجرة، التي تجتمع فيها الكائنات الدقيقة، والحيوانات، والنباتات. وكان الإسفنج الذي يتغذى على الجزيئات الصغيرة يمتص الغذاء من جذوع الشجرة الضخمة، بينما تشبثت شقائق النعمان بالأعشاب المتعلقة، وهي تفتح أفواهها الغليظة المهدبة وتغلقها. وكانت المخلوقات المغطاة بالقرون والمخلبية والقريدس وجراد البحر الشائك ونجوم البحر الهشة وزنابق البحر ترتشف الغذاء. بينما تتجول قنافذ البحر وهي تمضغ طعامها. وتوجد أنواع عديدة من سرطانات البحر مثل: سرطانات البحر الشفافة، وسرطانات البحر العنكبوتية الضخمة، وسرطانات البحر العقربية، وسرطانات الحجر الشائكة، وسرطانات الرمل، وسرطانات البحر المستديرة، وسرطانات البحر الصالحة للأكل، والسرطانات الخضراء الشاطئية، والسرطانات السابحة، والسرطانات الزاوية، والتي لكل منها أرضها الخاصة التي تتجول فيها. وهناك خيار البحر، ومزدوجات الأرجل، وبلح البحر، ومحار البرنقيل، والغلاليات، والديدان المتعددة الأشواك. كلها كانت تأكل الخشب وتطعم الأعشاب بفضلاتها وبما يموت ويتحلل منها.
تمايلت الكائنات، وانزلقت، وسبحت عبر الغابة البحرية، وكانت تصطاد وتصطاد. بعضها كان لحم سمك متخفيا في هيئة أعشاب، مثل أسماك أبو الشص المغطاة بأسدال تشبه السرجس، وأسماك عثة البحر المعلقة في الماء والتي لا يمكن تمييزها عن الأشكال التي تشبه الأوراق السرخسية، والمغطاة بشيلان وساريات تجعلها تبدو وكأنها نتوءات نباتية ممزقة. كما توجد أسماك ضخمة ذات أجسام نصلية، ينكسر عليها الضوء، تختبئ في الظلال الداكنة وكأنها جزء منها، ويتغير لون زعانفها المتمايلة مع تدفق الضوء عبر الماء وتشتته.
Page inconnue