Ragnarok : La Fin des Dieux
راجناروك: نهاية الآلهة
Genres
كانت الآلهة تعرف، وكذلك «أودين»، أن زمن الذئاب سيأتي لا محالة. سينضم الذئب إلى إخوته عند نهاية العالم. جرى التنبؤ بالأهوال التي ستحدث، مثل تحرر الذئب من أسره، أو كلب الصيد «جارم»، وهو حارس بوابة مملكة «هيل» السفلية. كان هذا الوحش مرتبطا بالذئبين اللذين يركضان باستمرار عبر السماء داخل جمجمة «يمير» في ملاحقة عربات الشمس والقمر. رأت الطفلة النحيلة، التي كانت تقرأ عن العالم المتماسك الذي نشأ عندما قطعت أوصال «يمير»، نقشا يبين الليل والنهار، والشمس والقمر، وهما يركبان عربتين تجرهما خيول رائعة. كانا يمران باستمرار بسرعة خاطفة؛ ذلك أنهما، كما رأت الطفلة النحيلة وفهمت، كانا يعيشان في خوف دائم. فخلف الشمس والقمر، تعدو الذئاب بكامل سرعتها، والشعر على أعناقها منتصبا في تأهب، وألسنتها متدلية، لا تكل ولا تمل، كما هو حال الذئاب عند المطاردة، فهي فقط تنتظر أن تتعثر فريستها أو تسقط. لم تكن الطفلة النحيلة تعلم من أين أتت هذه المخلوقات الرهيبة. قالت الأساطير إنهم من نسل العملاقة القاسية التي تسكن «آيرنوود»، وإنهم إخوة الذئب «فنريس». فكرت الطفلة النحيلة في أنه لا بد من وجود زمن كان فيه الشمس والقمر، اللذان صنعتهما الآلهة، يتحركان بإرادتهما الحرة، وربما يتلكآن، أو يتوقفان مؤقتا، فيطيلان وقت يوم جميل، أو صيف جميل، أو ربما ليلة مظلمة تخلو من الأحلام. في إحدى القصص العتيقة كانت للذئاب أسماء. كان «سكول» هو من يطارد الشمس، بينما هرع «هاتي هرودفيتنسون»، عازما على الإمساك بالقمر. ومن ثم، كما فهمت الطفلة النحيلة، فقد نتجت حركة الضوء والظلام وتعاقب الليل والنهار والفصول عن الخوف من الذئاب الموجودة في العقل. لقد نبع النظام من القيود والتهديد بالأسنان والمخالب. قرأت الطفلة النحيلة في زمن الحرب بتجهم نبوءة ذئب جبار آخر قادم، إنه «مونجارم»، الذي سيملأ نفسه بدماء الحياة من كل من يموت، وسيبتلع الأجرام السماوية، ويرش الدماء في الجنة والسموات كلها. وهذا من شأنه أن يخل بحرارة الشمس وضوئها ويعيقهما، مما سيؤدي إلى هبوب رياح عنيفة، في كل مكان وتدمير الغابات ومساكن البشر والحقول والسهول. ستضرب السواحل وتنهار، وسيهتز النظام المستقر للأشياء وتقوض أركانه. (7) يورمنجاندر (7-1) المياه الضحلة
سقطت الأفعى بعدما ألقى بها «أودين» عبر السماء بينما تتغير هيئتها. فتارة تشبه الرمح عندما ينفرد عمودها الفقري، فتنطلق بسرعة وسلاسة، وتندفع لبدتها التي تتكون من شرائط لحمية من جمجمتها الحادة إلى الخلف وتتموج، بينما تومض أنيابها. وتارة أخرى كانت تسقط ملتفة في شكل حلقات، وكأنها سوط ملفوف، أو مثل شريط خفيف يدور في دوامات الهواء. كانت غاضبة لأنها انتزعت من إخوتها وأبعدت عنهم. كانت وحشا ذا إحساس؛ فقد كان اندفاع الهواء يسعدها، وكذا شم رائحة غابات الصنوبر، والأراضي القاحلة، والصحراء الساخنة، وملح البحر. لقد رأت أمواجه التي لا تهدأ، والزبد الذي يعلوها، واللون الأزرق الفولاذي ، وقابلت سطحه مثل الغطاسين، برأسها أولا ثم تبع ذلك ذيلها القوي بسلاسة. فغاصت، عبر هذا العنصر الجديد، حتى القاع الرملي، وأحدثت حركتها دوامات من حبات الرمال، وانزلقت بسلاسة بين النتوءات الصخرية. كانت وحشا بريا؛ فقد تربت في الغابة الحديدية «آيرنوود»، ولعبت في الظلال الخضراء الداكنة، والتفت حول نفسها في التراب. لكنها بدأت تتأقلم مع المياه المالحة، وشعرت بخفة جديدة في عضلاتها، وهي تطفو بتراخ على السطح، مثل الفضة وصغار أسماك الأنقليس، حيث عانق الضوء جلدها المبتل. في البداية بقيت في المياه الضحلة، تتنفس هواء الشاطئ من خلال فتحات أنفها ذات اللون الأحمر القرمزي، وتشق طريقها عبر برك الصخور، وتنزلق على امتداد خطوط المد، وتلتقط سرطانات البحر وقواقع البطلينوس والمحار، وتكسر القريدس المرجاني بأنيابها الحادة، وتخرج منها اللحم الغض بلسانها المشقوق. لقد استمتعت باكتشاف أساليب التمويه. فقد لاحظت سرطانات الناسك وهي تجري مسرعة بخطوات قصيرة، لتختبئ داخل الأصداف المهجورة.
وقد كشفت بعينيها الحادتين الخاليتين من الجفون في رأسها الحاد أسماك الداب وأعجبت بها وهي تنثر بقعا رملية على سطحها كي تشبه الرمل نفسه، بينما عيناها السوداوان تستقران على رأس مسطح مثل الحصى المضطرب. كما أعجبت بالحافة الدقيقة لهدب الزعنفة والذيل، التي بدت كظل خفيف بين قشرة السمكة الرملية اللون والرمل نفسه. ومن ثم نفخت في الرمال، واصطادت المخلوقات ولفتهم بلسانها المشقوق. كانت تحب العوالق الدقيقة، وتمتصها، وتبتلعها، ثم تبصقها. كانت دائما جائعة، ودائما ما تقتل أكثر مما تحتاج، بدافع الفضول، أو الحب، أو الانشغال النهم.
ولهذا نمت. ونما لها خياشيم، بين لبدتها اللحمية، حتى لم تعد بحاجة إلى الصعود إلى السطح للتنفس، أو لزيارة الشاطئ ما لم يكن ذلك مسليا لها.
لم يكن لديها أسلوب تمويه خاص بها، لكن في تلك الأيام الأولى كان يصعب رؤيتها؛ لأن حركاتها سريعة وماكرة. كانت مغطاة بقشور شفافة ناعمة، وأسفل هذه القشور كان جلدها مزيجا من اللون الأسود، والأحمر، والأخضر العشبي عندما يسقط الضوء عليه، ويعكسه درعها ذو القشور. كانت تستمتع بالاستلقاء والانتظار في بسط أعشاب الفوقس الحويصلي وثناياها، وتتمايل مع حركتها البطيئة أثناء تحركها مع المد، حيث تسحب بداخلها، ثم تمتص خارجها، وكانت لفائفها مجمعة على نحو عشوائي، وطبيعي مثل الطحالب المبللة تماما، بينما كانت قمة رأسها التي تكسوها مستشعرات تشبه أجمة صغيرة من النباتات التي أطلت من خلالها عيون يقظة.
لقد لعبت لعبة خاصة بها في الخلجان المنعزلة. وسبحت إلى الجزء الأكبر من المياه الرقيقة، واستلقت على الموجة وتركت نفسها تتحرك معها، بعضلات مسترخية، وتطفو مثل حطام سفينة أو طرح البحر. عندما ارتفعت الموجة إلى قمتها، ارتفعت معها الأفعى، وعيونها السائلة تتلألأ مثل عملات معدنية بفعل ضوء الشمس على السطح، ثم تقوست كي تهبط مع الماء الأبيض المليء بالهواء والضوء حتى أصدرت كل من الأفعى والموجة هسيسا على الرمال وتدحرجتا معا في كسل. وبعد واحدة من هذه الغطسات المشابهة نظرت إلى الأعلى ورأت شخصا فارع الطول، يرتدي عباءة، ويعتمر قبعة مشدودة فوق عينيه. اعتقدت لوهلة أنه «أودين» الأعور، قد أتى لتعذيبها، فأرجعت رأسها إلى الخلف لتهاجمه. وعندئذ استدار وحدق فيها من أسفل حافة قبعته، فرأت أنه «لوكي» المخادع، سريع البديهة، إنه والدها الذي يصعب تذكر شكله، حتى بالنسبة إليها؛ وهذا لأن شكله كان يتغير ببراعة، ليس فقط من يوم ليوم، ولكن من لحظة إلى أخرى. ومن ثم رفع قبعته، فظهرت خصلات شعره اللامعة. وابتسم ابتسامة عريضة. «سعيد بلقائك، يا ابنتي. أرى أنك تكبرين، وتزدهرين.»
لفت نفسها حول كاحليه العاريين. وسألته عن سبب قدومه. فقال إنه قد أتى ليرى كيف حالها. ولكي يدرس الأمواج الهائجة. وما إن كان هناك شكل ما يتوارى في انعدام شكلها. تلاحقت الأمواج، واحدة تلو الأخرى، في تتابع منتظم. ولكن مياه الأمواج هذه كانت هائجة؛ فقد تدفقت دواماتها في كل اتجاه. ولكن هل كان هناك نظام ما في زبد الأمواج؟ قالت الأفعى إنها تدغدغ جلدها كالإبر، وإن هذا الشعور ممتع. جلس النصف إله القرفصاء بجانبها وصنع صفا من الحصى المبلل والمحارات الشفافة التي تعكس ألوان قوس المطر. وقال إن لديه مشروعا لرسم خريطة للخط الساحلي. ولكن ليس على شكل أنصاف دوائر منتظمة مثلما قد ترسم الآلهة والبشر هذا الخليج كي يصنعوا مرفأ لسفن التنين. بل خريطة صغيرة، تظهر كل حجر، وكل غدير، وكل نتوء، حتى وإن كان صغيرا مثل هذه الأصابع، وناعما ودقيقا مثل هذه الأظافر. خريطة لبراغيث الرمال وأنقليس الرمال؛ وهذا لأن كل شيء مرتبط ببعضه؛ ومن ثم يمكن تدمير العالم بفرط الاهتمام، أو انعدامه، تجاه أنقليس الرمال، مثلا. «ولذلك»، هكذا قال «لوكي» الساخر لابنته الأفعى، «لا بد أن نعرف كل شيء، أو قدر ما نستطيع على الأقل. تمتلك الآلهة رموزا رونية سرية تساعدهم في الصيد، أو في تحقيق النصر في المعارك. إنهم يطرقون، ويشقون خصومهم. ولكنهم لا يدرسون. أما أنا فأدرس. وأعلم.» ركل حاجزه القصير جانبا في طبقة الماء الرقيقة. وتحسس بأطراف أصابعه كما لو كان يتنصت بأذنه، وكشط الرمال وسحب دودة رمل خشنة، سوداء ومرتجفة، ثم قدمها لابنته، التي ابتلعتها. (7-2) الأعماق
بعد هذا اللقاء التقت به كثيرا، ليس فقط حيثما تلتقي اليابسة بالماء، ولكن أيضا في الأعماق. في رحلاتها الجائعة، كانت تحتك بخطافات البشر، التي امتدت كالثعابين في خطوط طويلة، وبأقفاص وأكياس مصنوعة من الشباك تحدق منها كائنات حية غاضبة، مستسلمة ومذهولة. كانت تستمتع بإخراج سمكة قد سمينة من خطاف منحن، أو بتمزيق سلة مليئة بالكائنات المضطربة. كانت تبتلع بعض أسماك القد، وتشاهد البعض الآخر وهو يهز نفسه ويسبح بعيدا. كانت تترك المئات من أسماك الرنجة تخرج مندفعة من إحدى شباك الصيد، ثم تلتقط الدفعة الثانية بأسنانها، وتقضمها وتبتلعها، تاركة الدماء والعظام تلوث مياه البحر. وعندما كانت تقابل خطافا معقدا ومتشعبا بحيث يستحيل العبث به فهي تصعد إلى سطح الماء لتحيي الصياد مخلفة رذاذا من الماء على ثيابه. وعندما تجد شباكه مربوطة بعقد محكمة ليس لها مثيل؛ فهي تسبح في دوائر ضخمة حول قاربه، في انتظار ندائه، ثم ترتفع مندفعة مبتلة، وتضحك كما تضحك الثعابين.
ومن ثم لعبا لعبة التنكر والاكتشاف. «امسكي بي.» هكذا قال لها، واختفى ، تاركا ظل عباءته المتلاشي مقابل السماء الزرقاء. كان يصعب العثور عليه عندما يتنكر في شكل سمكة ماكريل، كسمكة ماكريل واحدة غير مهمة، تسبح بعيدا عن السرب. كان جلد الماكريل هو إحدى حيل الاختفاء والتواري عن الأنظار. فعلى طول جلدها الأملس توجد خطوط من تموجات الماء، تحاكي الشمس والظل، وضوء الغيوم والقمر وهي تهبط مخترقة المياه الكثيفة، وتحاكي الأعشاب البحرية الزاحفة والموجات المتدفقة وهي تومض بينما تتقلب الحراشف التي تشبه المرآة. كان موجودا؛ فقد كان هو هذه السمكة المرئية واللامرئية، وعندما تندفع ابنته الأفعى في الماء يغير شكله لبقعة غير ثابتة من ضوء النهار، أو ضوء الليل، التي لا تلطخ سوى صفحة المياه فقط. كان يقود الأفعى إلى أسراب الماكريل، اللامعة المسرعة، ويغير شكله إلى سمكة أبي رمح أو سمكة أبي سيف، كي ينضم إلى الأفعى في المطاردة. كان سرب الأسماك المندفع يبدو مثل مخلوق واحد هائل، ضخم البطن، يغلي ويلتوي ويتحول من اللون الأخضر إلى الوردي ثم النيلي والفولاذي. كانت الأفعى ولوكي المتحول يسوقان الأسماك البرية فقط من أجل المتعة المطلقة لمشاهدة الأشكال المتغيرة للسرب المضطرب. ثم غاصا مرارا وتكرارا مقسمين السرب إلى مجموعات صغيرة تدور، ويلتقطان الأسماك الضالة ويبتلعانها، ويدفعان السرب المنطلق ويبتلعانه بالكامل. كانت الأفعى جائعة دائما؛ لأنها تنمو باستمرار. لقد كانت مثل عضلة ذراع رجل، ثم صارت كفخذ متينة، ومع ذلك هي لا تزال تنمو وتنتفخ، حتى صارت مثل حبل ضخم طويل من العضلات الخالصة تضرب السطح عندما ترتفع وتهبط، وتسحق الأعشاب وهي تشق طريقها سابحة، وتطحن الأشياء التي نمت في قاع البحر.
أصبح فكها الفاغر أكبر وأوسع، ونمت أسنانها الرهيبة لتصبح أقوى وأكثر حدة، وصارت أكثر سماكة بسبب ابتلاعها للهياكل العظمية ولأصداف عدد لا يحصى من المخلوقات التي تعيش تحت سطح الماء.
Page inconnue