دوريس :
سيدتي ما هذا؟ أتقنطين من العزاء وتستسلمين إلى الحزن والعناء؟! أنا أعلم أنه لا يروق شيء لعينيك ولا يحلو أمر لديك ما دمت أسيرة عندهم، لا تحبين منهم أحدا ولا تنالين من إحسانهم مددا، ولكن أعجب منك كيف كنت في بداية الأسر عندما قادك أشيل من بلادك وجاء بك أسيرة من بين قومك وأجنادك، أقل بكاء وحزنا منك الآن وقد استأنست إلى الأسر وصفا لك الزمان؟ ولقد غدت إيفيجنيا من أعز صواحبك وصديقاتك، فهي لا شك تلومك على بكائك وحسراتك. ألم تكوني تطلبين أن تري أرض أوليد؟! وها قد رأيتها وتم لك الأمر، فما بالك لا تزالين تحزنين؟ وما هذا البكاء وعدم الصبر؟
إريفيليا :
أتظنين أنه يكمل لي سرور أو يتم لقلبي هناء وأنا أرى إيفيجنيا تمر بين يدي والديها وتجر ذيل الكبرياء ثم أجد نفسي يتيمة من يوم ولدت لا أعرف لي أهلا وإني ربيت بين يدي الغرباء لا أعرف لي سلالة ولا أصلا، ويلاه يا دوريس! إنني لا أعرف من أنا، إنني لا أعلم إن كنت ذات أصل وضيع أم ذات مجد وسنا، والذي يزيدني حزنا أنني كلما فكرت في عرفان أصلي أشعر أن لا يتم عرفانه إلا بقتلي.
دوريس :
لقد أخطأت يا سيدتي في ظنونك البعيدة، ووهمت في هذا الأمر أوهاما شديدة. فلا تيأسي أن يكشف الله أمرك بإحدى عجائبه، فيتم بك ما تشاءمت به من القتل بتغير اسمك الذي تقيدت به على غير الأصل.
إريفيليا :
هذا الذي يحزنني يا دوريس، وهذا الذي يزيد بي الأسف والعناء، ولقد كان أبوك يعلم حقيقة سري ويقول إنني من سلالة الملوك والعظماء، فخرجت من ترواده وسرت إليه مؤملة كشف السر وبيان الخفاء، ولكني لم أكد أفارقها لبلوغ هذا الأمل حتى سلط الله علينا أشيل فقتل أباك فيمن قتل، فكان بذلك خيبة مسعاي وضياع سري، بل صرت بعد ذلك المجد الموعود ذليلة عند اليونان في قيودي وأسري وليس بي إلا أنفة لا أستطيع إظهارها وعزة نفس يمنعني خفاء أمري من إشهارها.
دوريس :
نعم، لقد ظلمك أشيل يا سيدتي إذ قتل أبي وكان عالما بسرك، ولكن لا أرى لك حقا في الحزن ما دمت تجدين هنا كلكاس وهو يعرف حقيقة أمرك، فهو الكاهن الذي تخبره الآلهة بأخبارها، وتطلعه على ما كان من أسرارها، فهل يخفى أمرك على مثله من الحكماء، وهو عالم بما تحت الأرض وفوق السماء؟ فلماذا تحزنين وغالب هذا الجيش ينصرك ويقويك؟ وستكون إيفيجنيا بعد زواجها بأشيل من أخص مساعديك؛ فهي قد وعدتك بالإطلاق بعد اقترانها، وأقسمت لك على ذلك جهد أيمانها.
Page inconnue