Rahman et Shaytan
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
Genres
يتابع النص بعد ذلك سرد أخبار أسرة آدم وما جرى بين قابيل وهابيل وما جرى لبقية أولاد آدم إلى حين وفاته، وينتهي النص بمشهد موت آدم وتلقيه رحمة ربه ومغفرته: «ولسبعة أيام أظلمت الشمس وأظلم القمر والنجوم. وكان شيت يحتضن جسد أبيه، وحواء تشبك ذراعيها فوق رأسها المنكس والمستند على ركبتيها، وكل الأولاد يبكون بحرقة. وبينما هم على هذه الحال ظهر الملاك ميخائيل واقفا عند رأس آدم وخاطب شيت قائلا: انهض عن جسد أبيك وتعال إلي فأريك ماذا أعد الرب له، فلقد رحم الرب مخلوقه وتاب عليه، وعزف كل الملائكة بأبواقهم وأنشدوا: مبارك أنت أيها الرب الذي أشفق على مخلوقه. عندها رأى شيت ذراع الرب تمتد فتحمل آدم وتسلمه إلى ميخائيل وسمعه يقول: ليكن آدم في حرز لديك إلى يوم الدينونة في آخر الأزمان، عندما سأحول حزنه فرحا وأجعله يتربع على عرش من غلبه (= الشيطان).» (5) الهاجاده
نشأت على هامش التلمود «وهو المصدر الثاني للشريعة بعد التوراة» خلال القرون الأولى للميلاد مجموعة الأدبيات الدينية المعروفة باسم الهاجاده، أي رواية القصص. والاسم مستمد من أسلوب المؤلفين الذين استخدموا القصص المشبعة بالميثولوجيا، وذلك من أجل تقريب المعتقدات التلمودية إلى ذهن عامة الناس. فالهاجاده بالنسبة إلى التلمود تعادل الأسفار المنحولة بالنسبة إلى التوراة.
يعتبر النص الذي سأقدمه ملخصا فيما يأتي،
25
من عيون أدبيات الهاجاده، وهو يعالج موضوعات التكوين منذ خلق العالم إلى سقوط الإنسان، ويلفت نظرنا بشكل خاص تقديمه لعنصر جديد في قصة خلق الإنسان عندما قال الرب للملائكة إنه سوف يخلق الإنسان، واستمع لآرائهم التي تحذر من مغبة هذا العمل، لأنهم رأوا أنه سيكون ميالا إلى النزاع والقتال وممتلئا بالغش والخداع، كما أن النص ينسج على منوال كتاب حياة آدم في اعتبار السبب في سقوط إبليس رفضه السجود لآدم.
في البدء أوجد الرب سبعة أشياء قبل أن يخلق العالم وهي: (1) التوراة مسطرة بنار سوداء على نار بيضاء، ومستقرة في حضن الخالق. (2) العرش الإلهي. (3) الفردوس عن يمين العرش. (4) الجحيم عن يسار العرش. (5) الهيكل المقدس أمام العرش. (6) مذبح الهيكل. (7) جوهرة على مذبح الهيكل، محفور عليها اسم المسيا المخلص، وصوت يهدر قائلا: عودوا يا أبناء البشر. عندما أراد الرب خلق العالم تشاور مع التوراة بهذا الخصوص، أبدت التوراة شكها من جدوى خلق العالم الأرضي، لأن الناس سوف يشيحون فيه بوجوههم عن تعاليمها ويقعون في المعصية. ولكن الرب بدد شكوكها بقوله إنه قد أعد للبشر التوبة والغفران قبل خلقهم، وهيأ لهم سبل تصحيح سلوكهم، كما وأنه قد أعد الفردوس والجحيم لأجل الثواب والعقاب، وسمى المسيا من أجل تقديم الخلاص لجميع الخطأة.
تتابع بعد ذلك أعمال الخلق والتكوين وفق ترتيبها في سفر التكوين التوراتي، ولكن مع توسع وإسهاب وإدخال عناصر جديدة على القصة الأصلية. فالسماوات سبعا طباقا تتدرج من السماء الأولى التي تستند إلى الأرض عند الجهات الأربع، وحتى السماء السابعة التي تتصل بيدي الخالق. والأرضين سبعا طباقا أيضا، يفصل كل أرض عن الأخرى خمس طبقات فرعية. ثم جعل الرب الجحيم في الجهة الشمالية من الأرض وقسمه إلى سبع درجات لكل درجة حصتها من الخطاة وفق ذنوبهم. وقسم الدرجة إلى سبع درجات لكل درجة حصتها من الخطاة وفق ذنوبهم. وقسم الدرجة إلى سبعة أجنحة، والجناح إلى سبعة آلاف كهف، والكهف إلى سبعة آلاف حجرة، وفي كل حجرة سبعة آلاف عقرب، لكل عقرب منها ثلاثمائة شوكة، في كل شوكة سبعة آلاف جراب، ومن كل جراب يجري سبعة أنهار من السم، إذا مست قطرة منه جسم إنسان تفجرت أشلاؤه. وهناك أنهار من حمم تجري في كل مكان، وأنهار من قطران وإسفلت تغلي وتضطرم. وهناك خمسة أنواع من النيران وقودها قطع من الفحم بحجم الجبال، وهناك ملائكة العقاب موزعون في كل مكان.
وجعل الفردوس في الجهة الشرقية من الأرض، وقسمه إلى سبع درجات لكل درجة حصتها من الصالحين وفق صلاحهم. وجعل له بوابتين عليهما ألوف من ملائكة الرحمة. فإذا وصل واحد من أهل الجنة إلى البوابة، تقدم منه الملائكة فنضوا عنه حلة القبر وألبسوه عباءة من سحاب المجد، ووضعوا على رأسه إكليلا من لآلئ وأحجار كريمة ، وفي يده سبعة أغصان تفوح بأطيب روائح الجنة، ثم اقتادوه إلى مكان ربيع دائم وأنهار جارية من لبن وخمر وعسل. هناك شجرة الحياة التي تثمر سبعة عشر نوعا لكل نوع مذاق ورائحة خاصة، وتهب على الشجرة نسائم تحمل عبقها إلى أنحاء الفردوس جميعها، والتي يتوزع فيها ملائكة يغنون بأعذب الأصوات، وليس في المكان نور يأتيه من خارجه، لأن نوره مستمد من ضياء وجوه المؤمنين الذين تحولت هيئاتهم فصار أقبحهم يضاهي يوسف الحسن والجمال. وفي كل يوم يمر أهل الفردوس بأربعة تحولات، في الصباح يستيقظ واحدهم طفلا ليصير يافعا عند الضحى فرجلا ناضجا عند الظهيرة ليعود شيخا مع المغيب، وبذلك يتمتع ساكن الجنة بما يقدمه للإنسان كل طور من أطوار الحياة من متع وبما له من خصائص إيجابية.
بعد أن انتهى الرب من خلق السماوات وملائكتها والأرض وكائناتها، جاء دور الإنسان. وهنا يستطلع الرب رأي رؤساء الملائكة فيما هو مقدم عليه، فتأتي مشورتهم في غير صالح الإنسان، ورغم أن الرب لم يطلعهم إلا على نذر يسير مما وصل إليه علمه بشأن طبيعة المخلوق الجديد، فقد تنبأ بعضهم أنه سيكون ممتلئا بالغش والخداع ميالا إلى النزاع والقتال. ثم ينتهي الحوار بقول الرب لملائكته: ما نفع وليمة معدة بعناية فيها كل الطيبات وما من ضيف يتمتع بها؟ فيجيب الملائكة ليكن اسمك ممجدا في الأرض كلها ولتأت مشيئتك بما تراه مناسبا.
مد الرب يده واغترف من جهات الأرض الأربع أربع قبضات من التراب فعجنها وسواها إنسانا. فجاء آدم صنعة يد الخالق على عكس بقية المخلوقات ومظاهر الكون والطبيعة التي ظهرت بكلمة فمه، وذلك تكريما له وإعلاء لشأنه، ثم نفخ الرب في أنف آدم من روحه الأزلية فصار نفسا حية. وبذلك غدا الإنسان أول خلق الرب في ترتيب الظهور بدل أن يكون الأخير، باعتبار ما لروحه من قدم هو قدم الروح الإلهية. ومع خلق روح آدم خلق الرب أرواح البشر المتسلسلين من صلبه إلى آخر الأزمان، وحفظها في مكان خاص من السماء السابعة، فمن مكانها سوف تهبط لتحل في الأجسام المخلوقة في الأرحام. وسيكون إذا حملت امرأة من نساء الأرض، جاءها ملاك الليل فأتي بحملها الذي لم تدب فيه الروح بعد إلى حضرة الرب ليقرر للكائن الجديد كل صفاته وخصائصه، عدا تلك المتعلقة بالخير والشر والتي تترك لخياره الحر في المستقبل، ثم يأمر بعد ذلك خازن الأرواح أن يأتيه بالروح التي اسمها كذا، فيأتيه بها وتؤمر أن تدخل في الحمل. ولكن الروح تسجد لخالقها وتتوسل إليه أن يتركها في حال القداسة الذي تعيش ويعفيها من النزول إلى الأرض. فيجيبها ربها إن المكان الذي ستمضي إليه أفضل من مكانها هذا، فتذعن الروح. بعد ذلك يأخذها ملاك فيطوف بها ويطلعها على الفردوس ويقول لها إن مأواها سيكون هنا إذا عملت صالحا، ثم يطلعها على الجحيم ويقول لها إن مأواها سيكون هنا إذا أساءت، ثم يجول بها أرجاء الأرض فيريها أين ستولد وأين ستعيش وأين ستموت وتدفن، بعد ذلك يعيدها إلى الرحم. وبعد تسعة أشهر يأتيها الملاك نفسه ليقول إن وقت خروجها قد حان، فتتمنع الروح وتقاوم، فيقول لها: لم يكن لك خيار في خلقك، ولن يكون لك خيار في ولادتك ولا في موتك ثم مثولك أمام الملك القدوس لتحاسبي على ما قدمت يداك. وعندما تمعن الروح في المقاومة ينقف الملاك الجنين على أنفه ويدفع به خارجا وقد نسي ما رأته روحه وما تعلمته.
Page inconnue