Rahman et Shaytan
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
Genres
نصوص قمران، أو مخطوطات البحر الميت ، هي مجموعة لفائف عثر عليها تباعا منذ عام 1947، في عدد من المغاور الواقعة في المنطقة الصخرية الوعرة المنحدرة نحو الشاطئ الغربي الأعلى للبحر الميت، ويبدو أن هذه اللفائف قد خبئت هنا حفظا لها من الضياع خلال الحملة الرومانية على أورشليم عام 70 ميلادية ، وهي الحملة التي أدت إلى تدمير الهيكل تدميرا كاملا، ويمكن تقسيم هذه اللفائف إلى ثلاثة أنواع حسب موضوعاتها: فلدينا أولا نصوص توراتية بعضها كامل تقريبا مثل سفر إشعيا وبعضها مجتزأ بسبب تلف اللفيفة. ولدينا ثانيا شذرات من النصوص المنحولة. ولدينا ثالثا نصوص قمرانية خاصة بهذا الموقع. وقد أرجع الباحثون تاريخ اللفائف إلى الفترة الواقعة بين أواخر القرن الثاني قبل الميلاد وأواسط القرن الأول الميلادي.
لقد ساد الاعتقاد زمنا بأن نصوص قمران هي من إنتاج فرقة يهودية معروفة بالفرقة الأسينية، وهي ملة يهودية عاصرت خلال القرن الأول قبل الميلاد والقرن الثاني بعد الميلاد الملتين الصدوقية والفريسية، وظن الدارسون الأوائل أن الأسينيين كانوا يقيمون في الموقع الأثري المعروف اليوم بخربة قمران، وهو بقايا قلعة قديمة تتحكم في الشواطئ الشمالية الغربية للبحر الميت حيث وجدت النصوص. ولكن بعض الدراسات الحديثة قد بدأت تتحدى هذا الرأي، وتنفي وجود صلة بين نصوص قمران والملة الأسينية.
20
وإني إذ أتبنى هنا هذا الرأي، فإني أقدم نصوص قمران باعتبارها جزءا من الحركة الأشمل للفكر المنحول دون خصها بفرقة يهودية معينة.
لا تنتمي نصوص قمران إلى الاتجاه الراديكالي في الفكر المنحول، لأنها بقيت تراوح عند التصورات التوراتية الرسمية التي تجعل من نهاية الأزمنة عصر انتصار لإسرائيل على أعدائها من الأمم جميعها دون استثناء، وترى في خلاص الرب خلاصا لبني إسرائيل وحدهم، ولكن هذه النصوص قد قدمت مساهمتين رئيسيتين في موضوعات الفكر المنحول: أولاهما فكرة ثنائية الخير والشر المتأصلة في صميم خلق الله. والثانية حرب الأزمنة الأخيرة بين المؤمنين والكفار. والمؤمنون هنا هم حصرا بنو إسرائيل المدعوون بأبناء النور، أما الكفار فهم حصرا بقية الأمم أبناء الظلام وأتباع الشيطان بليعال.
في المخطوط الذي أطلق عليه الباحثون الأوائل اسم «نظام الجماعة» لدينا تعليم أساسي يتعلق بثنوية الخير والشر:
21 «من إله المعرفة يصدر كل ما هو كائن وما يكون. قبل أن تكون الكائنات صممها، وحين تكون فبحسب أنظمتها وبحسب مخططه المجيد تتم علمها ولا تبدل فيه شيئا. في يده نواميس جميع الكائنات وهو الذي يسندها في جميع حاجاتها، وهو الذي خلق الإنسان ليكون سيدا على الأرض.» «وأعد للإنسان روحين ليمشي فيهما إلى يوم الافتقاد هما روح الحق وروح الضلال. في ينبوع النور أهل الحق وفي ينبوع الظلمة أهل الضلال. في يد أمير الأنوار سيادة على جميع أبناء البر فهم في طريق النور يسيرون، وفي يد ملاك الظلمة سيادة على جميع أبناء الضلال فهم في طريق الظلمة يسيرون، (ولكن) بسبب ملاك الظلمة يضل أبناء البر (أيضا)، فكل آثامهم وخطاياهم ومعاصيهم هي نتيجة سيادته، حسب أسرار الرب حتى الزمن المحدد، وكل الضربات التي تصيبهم وكل أوقات ضيقهم هي نتيجة سيادة بغضه، كما أن الأرواح كلها والتي هي من نصيبه (= الشياطين) تجعل أبناء النور يعثرون، لكن إله إسرائيل وملاك حقه يعينون أبناء النور.» «أجل. هو الذي خلق الروحين، روح النور وروح الظلمة، وعلى هذين الروحين أسس كل عمله، وعلى مشورتيهما كل خدمة، وعلى طريقيهما كل افتقاد. واحد منهما يحبه الرب مدى الأجيال ويرتضي بعمله إلى الأبد، والآخر يمقت مشورته وإلى الأبد يبغض طرقه جميعها، وهاكم طرق هذين الروحين في العالم. روح الحق هو الذي ينير قلب الإنسان ويمهد أمامه كل طرق البر الحقيقي ويجعل في قلبه مخافة أحكام الرب ... أما روح الضلال فقيه الطمع والتهرب من البر وفيه الكذب والكبرياء ...» «في هذين الروحين تمضي جميع أجيال بني البشر، وفي هاتين الطبقتين تتوزع جيوشهما من جيل إلى جيل وتسير. كل جزاء أعمالهم يتم بهاتين الطبقتين بحسب ما قسم لكل واحد، أكان كثيرا أم قليلا على مر العصور. ذلك أن الرب قد رتب هذين الروحين في أجزاء متساوية إلى الحد الأخير، وجعل بغضا أبديا بين طبقتيهما، فحمية القتال تجعل الواحد يعارض الآخر في جميع أوامرهما لأنهما لا يسيران معا.» «أما الرب، وفي أسرار عقله ومجد حكمته، فقد وضع حدا لوجود الضلال، وهو سيزيله بشكل كامل في ساعة الافتقاد، وحينئذ يظهر الحق بشكل نهائي في العالم، حينئذ ينظف الرب بحقه أعمال كل فرد، وينقي جسد كل إنسان فيزيل روح الضلال كله من أعضائه، ويطهره بروح قداسته من أعمال الكفر، ويفيض عليه روح الحق مثل ماء التطهير، وهكذا تنتهي كل أرجاس الكذب وينتهي كل تنجيس بروح النجاسة ...» «حتى الزمن الحاضر يتحارب روحا الحق والضلال في قلب كل إنسان، والناس يسيرون في الحكمة والجهالة، كل منهم يبغض الضلال بقدر قسمته في الحق والبر، أو يمقت الحق بقدر ميراثه في حصة الضلال. فالرب قد رتب هذين الروحين في قسمين متساويين حتى الحد الحاسم، حد «أو ميعاد» التجدد، وهو يعرف جزاء أعمال هذين الروحين على مدى الأزمنة، وقد وزعهما بين أبناء البشر لكي يعرفوا الخير ويعرفوا الشر، وهكذا تعطى قسمة كل حي بحسب روحه حتى يوم الدينونة والافتقاد.»
في المخطوطة الأخرى التي اخترنا عرضها هنا وهي مخطوطة «نظام الحرب» أو «حرب أبناء النور ضد أبناء الظلام»، نجد أن الصراع بين روح الشر بليعال وروح الخير ميخائيل رئيس الملائكة، يدوم إلى أن يحين يوم الفصل العظيم بين الخير والشر. في ذلك اليوم يجتمع المؤمنون، وهم حصرا بنو إسرائيل، في حشد واحد لشن الهجوم على الكفار من أتباع بليعال، وهم بقية أمم الأرض، وتحدث المعركة النهائية الفاصلة. وفيما يأتي مقتطفات من هذه المخطوطة: «لقد بدأ تسلط أبناء النور على حزب أبناء الظلام، على جيش بليعال، على زمرة آدوم ومؤاب وبني عمون، وجمهور أبناء المشرق وفلسطيا، وضد زمرة كتيم، على آشور وشعبهم الذين جاءوا لمعونة الكفار الذين تجاوزوا العهد. إن أبناء لاوي وأبناء يهوذا وأبناء بنيامين والمنفيين في البرية يقاتلون ضدهم» «... تهيأ الحرب خلال ست سنوات، وكل الجماعة تهيئها معا. وتكون الحرب على مراحل تمتد على السنوات التسع والعشرين الباقية. في السنة الأولى يقاتلون آرام نهاريم. في السنة الثانية أبناء لود. في الثالثة يقاتلون ما تبقى من آرام وعوص وتوجر ومشا الذين في عبر الفرات ... إلخ.» «وتعسكر كل فرق المقاتلين تجاه ملك كتيم، وتجاه كل جيش بليعال المجتمع لديه ليوم الفناء بسيف الرب، ويقف رئيس الكهنة ويقرأ على مسامعهم صلاة زمن الحرب ويبدأ كلامه قائلا : تقووا، تشجعوا ... لا ترتدوا أمامهم لأنهم جماعة كفر وكل أعمالهم هي في الظلمة ... اليوم موعد الحرب من قبل الرب على كل مجموعة بليعال، وموعد غضب على كل بشر. فإله إسرائيل يرفع يده القديرة العجيبة ضد كل أرواح الكفر، وكل جبابرة الآلهة يشدون أحقاءهم للحرب، وتشكيلات القديسين تجتمع ليوم الرب، إلى أن يزول كل المكرسين لبليعال، لأن إله إسرائيل قد دعا السيف ضد جميع الأمم، وهو يبسط قوته بواسطة قديسي الشعب.»
بعد وصف مطول لتشكيلات القتال وأساليب الكر والفر، يتم القضاء على جيوش الأمم ويرفع المنتصرون صلاة شكر هذه خاتمتها: «افرحي جدا يا صهيون، وابتهجي يا كل مدن يهوذا وافتحي أبوابك على الدوام لتدخل إليك ثروات الأمم، وليخدمك ملوكها ويسجد أمامك كل جلاديك ويلحسوا تراب قدميك. يا بنات شعبي اهتفن هتاف الفرح، وتزين بزينة المجد، وتسلطن على ممالك الشعوب. هكذا يكون الملك للرب ولإسرائيل مملكة أبدية.» (3) سفر أسرار أخنوخ
يدعى هذا الكتاب أيضا بسفر أخنوخ الثاني، وهو يتميز عن سفر أخنوخ الأول بتركيزه على الموضوعات اللاهوتية المتعلقة بالبدايات، في مقابل تركيز أخنوخ الأول على موضوعات التاريخ، وهو يتوسع بشكل خاص في مسألة سقوط إبليس وتحوله إلى روح متمردة شريرة، بعد أن كان رئيسا لطبقة عليا من الملائكة. كما يتوسع في مسألة خلق الإنسان الأول وسقوطه، ودور إبليس في تزيين المعصية له، وهنالك وصف لأحوال السماوات السبع ولأهوال الجحيم ومتع النعيم. النص متوفر فقط باللغة السلافية، ويبدو من أسلوبه أن هذه النسخة السلافية هي ترجمة مباشرة عن اليونانية. أما عن زمن تدوينه فإن الباحثين مختلفون في ذلك، فبينما يرجح بعضهم أن تدوينه قد تم في زمن ما من القرن الأول قبل الميلاد على يد يهودي هلنستي من الإسكندرية، فإن البعض الآخر يرى فيه نتاجا لعملية تحريرية طويلة أدخلت على النص القديم تعديلات وإضافات خلال بضعة قرون.
Page inconnue