Rahman et Shaytan
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
Genres
تعاون الله والإنسانية:
الإنسان شريك لله في المشروع الكوني الرامي إلى مكافحة الشيطان واستعادة كمال البدايات. إن أقصى ما يصبو إليه الإنسان في ديانات الشرق القديم هو اكتناه مشيئة الآلهة والتطابق معها، خلال حياة لا معنى لها ولا غاية وزمن مفتوح على اللانهاية، كما أن أقصى ما يصبو إليه الإنسان في ديانات الشرق الأقصى هو فهم العالم وليس إصلاحه، فالعالم غير قابل للإصلاح، وهو يسير وفق قوانين أزلية ثابتة في دورة تكرارية أزلية أبدية. أما الزرادشتية فترى أن العالم قابل للإصلاح والتغيير بشكل جذري، ومسئولية هذا الإصلاح تقع على عاتق الإنسان بالدرجة الأولى. (4)
وحدانية الإله:
رغم وجود اتجاهات توحيدية واضحة في الديانات السابقة على الزرادشتية، سواء في مصر أم سورية وبلاد الرافدين، إلا أن زرادشت كان أول من قدم مفهوما صافيا عن التوحيد وصاغه في أيديولوجيا متماسكة ومتكاملة. (5)
أصل الشر وفكرة الشيطان:
رغم وجود الكائنات الما ورائية الشريرة في المعتقدات الدينية عبر التاريخ، إلا أن زرادشت كان أول من تصور وجود مبدأ كوني للشر، هو علة الفساد والنموذج البدئي لكل الشرور المتبدية في العالم، وجسد هذا المبدأ في شخصية ما ورائية كبرى، وبذلك قدمت الزرادشتية أول تفسير مقبول لوجود الشر في العالم، وعلى الرغم من قوة الشيطان ومنازعته للرحمن السلطة على العالم، إلا أنه ليس إلها أزليا ولا خالدا ولسوف يئول إلى الخسران أخيرا، وبذلك يكون المعتقد الزرادشتي ثنويا في نظرته إلى العالم في حالته الراهنة التي تمتزج فيها عناصر الخير بعناصر الشر، وتوحيديا صافيا في نظرته إلى جوهر الكون وحقيقته ومآله. (6)
حرية الإنسان:
عندما خلق الله الكائنات السماوية والكائنات البشرية، وهبها الخاصية الأساسية التي تميز الوعي عن المادة الجامدة، وهي الحرية، لأن الوعي بدون الحرية ليس إلا شكلا آخر من أشكال وجود الجمادات. فالإنسان مخير في حياته ولا يخضع لأية جبرية، وحريته هذه تستدعي مسئوليته، كما تستدعي في النهاية محاسبته، لأن كل مسئول محاسب، ولا حساب حيث لا مسئولية. (7)
مفهوم الإنسانية:
لأول مرة في تاريخ الفكر الإنساني، يظهر في الزرادشتية مفهوم واضح عن «الإنسانية»، فالإنسانية ليست تجمعا لأفراد يعنى كل منهم بمصيره ويسعى لخلاص خاص به، بل هي مجتمع موحد بجميع فئاته وقومياته وأقاليمه، يلعب دورا واحدا في حركة التاريخ ومآله. (8)
Page inconnue