Voyageurs musulmans au Moyen Âge
الرحالة المسلمون في العصور الوسطى
Genres
بسم الله الرحمن الرحيم
لما بدأ القرن الثامن الميلادي كان العرب قد امتدت فتوحاتهم وأصبح لهم ملك واسع الأرجاء. وفي بداءة هذا القرن فتحوا بلاد ما وراء النهر وبلاد الأندلس؛ فانبسطت إمبراطوريتهم من حدود الهند شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن آسيا الوسطى وجبال القوقاز شمالا إلى صحاري إفريقية جنوبا.
وكان لاختلاط العرب بالشعوب الأخرى أثر كبير في نشأة المدينة الإسلامية وتطورها، فملك العرب ناصية العلم والمعرفة، وحفظوا لأوروبا تراث اليونان، وتقدمت على يدهم العلوم المختلفة.
وأتيح للمسلمين في العصور الوسطى أن يحوزوا قصب السبق في ميدان الرحلات والاكتشافات والدراسات الجغرافية. وأفادت أوروبا مما كان عند المسلمين من علم بأجزاء العالم المعروفة في القرون الوسطى.
والحق أن ازدهار الحضارة الإسلامية ، وسيادة المسلمين في البر والبحر، وطبيعة الدين الإسلامي، كل ذلك كان من شأنه أن يشجع على الأسفار والرحلات. •••
فالجزء الأكبر من العالم المعروف في فجر الإسلام كانت تزدهر فيه مدنية الإسلام وتدير دفته حكومة إسلامية. ثم فقدت الإمبراطورية الإسلامية وحدتها السياسية منذ منتصف القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي)، ولكن روابط الدين واللغة والثقافة ظلت تجمع بين سكان الدول الإسلامية، فكانوا يشعرون بأنهم أبناء إمبراطورية إسلامية بعيدة الأطراف. وقد كانت تلك الروابط قوية في العصور الوسطى. ولم تكن القوميات الإقليمية قد عظم شأنها بعد. وكانت أنحاء هذا الملك الواسع الذي أسسه المسلمون تتطلب الدراسة والوصف، تمهيدا لتطبيق أحكام الشريعة، وتسهيلا لمهمة الولاة. فسافر القوم، لدراسة البلاد وطرقها وحاصلاتها وخراجها وما إلى ذلك، مما لا بد منه للتأليف في علم تقويم البلدان. وطبيعي أن تكون الرحلات والأسفار من أول السبل لطلب العلم في تلك العصور؛ فقد كانت الكتب نادرة، وكانت الدراسة العملية تقوم مقام ما نصنعه اليوم من تتبع المراجع والمؤلفات، التي تزدحم بها خزانات الكتب الخاصة والعامة. وفضلا عن ذلك فقد تعددت مراكز الثقافة في ديار الإسلام، وكان رجال العلم ينتقلون في طلبه من إقليم إلى آخر، يدرسون على مشاهير الأساتذة ويلقون أعلام الفقهاء والمحدثين واللغويين ثم الأطباء والفلاسفة والرياضيين. •••
وكذلك كان الحج من أعظم بواعث الرحلات، فإن ألوف المسلمين يتجهون كل عام من شتى أنحاء العالم الإسلامي إلى الحجاز، لتأدية فريضة الحج وزيارة قبر النبي. وكان الحجاج عند عودتهم إلى بلادهم يخبرون عن الطرق التي سلكوها والأحداث التي صادفوها. وقد كان النابهون منهم يدونون مشاهداتهم، ويعملون على أن ينفعوا المؤمنين بتجاربهم؛ فيصفون رحلاتهم، تسجيلا لفضلهم، وهداية لغيرهم، ولفتا لنظر أولي الأمر إلى ما يجب إصلاحه، كما كان أهل الخير والتقوى في شتى البلاد الإسلامية يرحبون بإخوانهم المسلمين الميممين شطر الأراضي المقدسة، ويعنون بإقامة الرباطات وحبس الأوقاف للإنفاق في سبيل راحتهم. •••
واتسع نطاق التجارة عند المسلمين اتساعا لم يبلغه عند شعب آخر قبل كشف أمريكا؛ فانتشرت قوافل التجار المسلمين في القسم الأعظم من العالم المعروف في ذلك العهد، وخاضت سفنهم عباب البحار والمحيطات، وازدهرت على أيديهم الطرق التجارية بين بحار الصين وآسيا الوسطى وسواحل بحر البلطيق والأندلس وشواطئ المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط وساحل أفريقيا الشرقي وجزر المحيط الهندي وصحاري السودان. وكان التجار يحملون السلع بين الأسواق المختلفة في العالم الممدن حينئذ، ويقومون بالرحلات الطويلة في هذا السبيل. وحسبنا أن نشير إلى الكنوز الوافرة من النقود الإسلامية التي عثر عليها في الروسيا وفنلندة والسويد والنرويج، بل في سويسرا وجزيرة أيسلندة والجزائر البريطانية. وترجع قطع العملة المذكورة إلى الفترة الواقعة بين نهاية القرن الأول وبداية الخامس بعد الهجرة (السابع وبداية الحادي عشر الميلادي). ولسنا نجزم بأن كثيرا من التجار المسلمين أنفسهم وصلوا إلى أيسلندة أو النرويج أو الجزر البريطانية، ولكن كتب الرحلات وتقويم البلدان عندهم تشير إلى ترددهم على جنوبي الروسيا، وإلى وصولهم أوروبا الوسطى. ويشهد ذلك كله بما كان للمسلمين من سيادة تجارية في تلك البقاع.
وقد كتب المقدسي بيانا بالسلع التي كان المسلمون يحصلون عليها من جنوبي الروسيا والبلاد الأوروبية الشمالية، وقوامها أنواع الفراء والجلود والشمع والنشاب والقلانس والغرا والعسل والسيوف والدروع والأغنام والبقر، كل ذلك فضلا عن الرقيق من الصقالبة. والمعروف أن المسلمين استعملوا لفظ «الصقالبة» بمعنى أوسع، فكان لا يشمل عندهم السلافيين حسب، بل امتد إلى الجرمان وسائر سكان أوروبا. أما أهم ما كان يحمله التجار المسلمون إلى تلك الأقاليم فالمنسوجات بأنواعها وبعض التحف المعدنية ثم الفاكهة. وسوف نرى عند الكلام على الرحالة أنفسهم عظم تجارة المسلمين في شرقي أفريقيا ووسطها وإقليم غانة وفي بحار الصين وجزر الهند الشرقية. وحسبنا ما ذكره ابن جبير وابن بطوطة من أن التجار في عدن كانت لهم ثروات طائلة، وكان بعضهم يملك المراكب العظيمة لنقل سلعهم. أما التجارة بين الشرق الأدنى والأمم المسيحية في البحر الأبيض المتوسط، فقد كان معظمها في يد اليهود،
1
Page inconnue