Voyageurs musulmans au Moyen Âge
الرحالة المسلمون في العصور الوسطى
Genres
وأبحر الرحالة إلى شبه جزيرة القرم من ثغر صنوب شمالي آسيا الصغرى، ونزل بمرسى «الكرش». ثم انتقل إلى تغر كافا، وأكثر سكانه من أهل جنوة، جعلوه من أهم مراكز التجارة وأكبر أسواق الرقيق. ورحل عنها إلى مدينة القرم. وكانت تابعة للسلطان محمد أوزبك، خان المغول المعروفين بالقبيلة الذهبية. وغادر القرم إلى أزاق وأشار إلى كثرة الخيل بتلك البلاد وإلى أن ثمنها زهيد فينقل التجار ألوفا منها الهند ويغنمون الأرباح الطائلة.
وانتقل إلى مدينة الماجر بالقوقاز حيث لقي يهوديا كلمه بالعربية وظهر أنه من الأندلس، وأنه قدر إلى القوقاز بطريق البر الأوروبي، وأن رحلته استغرقت حول أربعة أشهر، وعلم ابن بطوطة صحة ذلك من بعض التجار الآخرين ممن لهم المعرفة في هذا الشأن. وأعجب الرحالة بتعظيم النساء في تلك البلاد حتى قال: «وهن أعلى شأنا من الرجال.» ووصف بعض مواكبهن ولاحظ أنهن لا يحتجبن «وربما كان مع المرأة منهن زوجها، فيظنه من يراه بعض خدمها».
وتحدث ابن بطوطة عن السلطان محمد أوزبك وزار معسكره على أربعة أيام من مدينة الماجر في موضع يقال له «بش دغ». وكان هذا المعسكر مدينة عظيمة متنقلة «فيها المساجد والأسواق ودخان المطبخ صاعد في الهواء. وهم يطبخون في حال رحيلهم والعربات تجرها الخيل بهم» فإذا بلغوا المكان الذي يريدون المقام فيه، أنزلوا البيوت عن العربات وجعلوها على الأرض. وقد أفاض ابن بطوطة في الكلام على مواكب خواتينه أو نسائه الأربع.
وذكر الرحالة أن هذا السلطان أوفد معه دليلا لتوصيله إلى مدينة بلغار على الشاطئ الأيسر لنهر أتل (الفولجا). وقد مر بنا ذكرها في الكلام على ابن فضلان. وأراد ابن بطوطة أن يجاوز هذه المدينة إلى الشمال لزيارة أرض الظلمة (سيبريا وشمالي روسيا) وبينها وبين مدينة بلغار أربعون يوما، ولكنه لم يفعل، فقال في رحلته: «ثم أضربت عن ذلك لعظم المؤونة فيه وقلة الجدوى. والسفر إليها لا يكون إلا في عجلات صغار، تجرها كلاب كبار، فإن تلك المفازة فيها الجليد، فلا تثبت قدما الآدمي ولا حافر الدابة فيها. والكلاب لها أظفار فتثبت أقدامها في الجليد. ولا يدخلها إلا الأقوياء من التجار الذين يكون لأحدهم مائة عجلة أو نحوها، موقرة بطعامه وشرابه وحطبه، فإنها لا شجر فيها ولا حجر ولا مدر. والدليل بتلك الأرض هو الكلب الذي سار فيها مرارا كثيرة. وتنتهي قيمته إلى ألف دينار ونحوها وتربط العربة إلى عنقه ويقرن معه ثلاثة من الكلاب. ويكون هو المقدم وتتبعه سائر الكلاب بالعربات، فإذا وقف وقفت ... فإذا كملت للمسافرين الفلاة أربعون مرحلة نزلوا عند الظلمة وترك كل واحد منهم ما جاء به من المتاع هنالك، وعادوا إلى منزلهم المعتاد. فإذا كان من الغد لتفقد متاعهم. فيجدون بإزائه من السمور والسنجاب والقاقم. فإن أرضى صاحب المتاع ما وجده إزاء من متاعه أخذه، وإن لم يرضه تركه فيزيدونه. وربما رفعوا متاعهم، أعني أهل الظلمة، وتركوا أمتاع التجار، وهكذا بيعهم وشراؤهم. ولا يعلم الذين يتوجهون إلى هنالك من يبايعهم ... والقاقم هو أحسن أنواع الفراء، وتساوي الفروة منه ببلاد الهند ألف دينار ... وهي شديدة البياض من جلد حيوان صغير في طول الشبر وذنبه طويل، يتركونه في الفروة على حاله. والسمور دون ذلك. تساوي الفروة منه أربعمائة دينار فما دونها.»
وطبيعي أن ما يذكره ابن بطوطة في هذه العبارة مصدره ما سمعه من التجار عن تلك البلاد الشمالية. ولا ريب في أن قصة تبادل التجارة من دون رؤية أهل تلك البلاد تبدو خيالية إلى حد كبير، ومع ذلك فقد قرأنا أن الأوروبيين عرفوا مثل هذا الأسلوب التجاري مع الهنود الحمر في أمريكا، كما عرفه القرطاجنيون مع بعض الأمم في العصور القديمة، وعرفه الأحباش مع بعض القبائل الأفريقية في القرن السادس الميلادي.
1
عاد ابن بطوطة إلى بلاط أوزبك خان في القوقاز وأتيح له أن يغادره إلى القسطنطينية في رفقة الخاتون بيلون زوجة هذا السلطان، وكانت تقصد زيارة أبيها ملك الروم «لتضع حملها عنده». وكانت هذه الرحلة بطريق البر في جزيرة البلقاء. ولقي الرحالة من رعاية قيصر القسطنطينية ما اعتاد أن يلقاه من سلاطين المسلمين. وذكر أنهم فتشوه قبل الدخول على الإمبراطور «لئلا يكون معه سكين»، وأنه في البلاط ترجمان يهودي يتكلم العربية وأصله من بلاد الشام. وقد خلع الملك على ابن بطوطة وأمر له بفرس. والغريب أن الذي يلبس خلعة الملك ويركب فرسا من هداياه يطاف به في أسواق المدينة بالأبواق والطبول؛ ليراه الناس. وعلق ابن بطوطة على ذلك بقوله: «وأكثر ما يفعل ذلك بالأتراك الذين يأتون من بلاد السلطان أوزبك؛ لئلا يؤذوا.»
وشاهد الرحالة آثار القسطنطينية. ثم رجع إلى السلطان أوزبك بدون الخاتون بيلون؛ فقد رغبت في المقام مع أبيها. وقد شك بعض النقاد في رحلة ابن بطوطة إلى القسطنطينية، ولا سيما لأنه لم يوضح الطريق الذي سلكه للوصول إليها، ولأنه أشار إلى لقائه قيصر الروم السابق بعد أن انقطع للعبادة ونزل عن العرش لابنه، والحقيقة أن هذا القيصر توفي في السنة السابقة للعام الذي ينم عنه كلام ابن بطوطة. ولكن المستشرق الإنجليزي الأستاذ جب
Gibb
كتب في مقدمته للمقتطفات التي نشرها من رحلة ابن بطوطة باللغة الإنجليزية أن غموض الطريق الذي سار فيه الرحالة إلى القسطنطينية يمكن تفسيره بغرابة تلك البلاد في وجه سائح لا يعرف لغتها ولا تربطه ببيئتها أي صلة، أما لقاء الإمبراطور السابق فيمكن تفسيره بخطأ وقع فيه ابن بطوطة في حساب السنة التي زار فيها عاصمة الدولة البيزنطية. •••
Page inconnue