الدمشقي، تحت سكن الخروبي في البيت الذي بباب الصفا، على يمنة الخارج إلى الصفا، ويعرف ببيت عيناء وهي الشريفة بنت الشريف عجلان. وبالبيت المذكور شباك يطل على المسجد الحرام ويشاهد من يجلس فيه الكعبة والركن الأسود، فكان المستمع والقارئ يجلسان عند الشباك دون مصطبة تحت الشباك المذكور، وكان يجلس فيها مؤدب صاحب الترجمة ومن يدرس معه. فكان المؤدَّبُ يأمرهم عند قراءة القارئ بالإنصات إلى أن يفرغ حتى ختم الكتاب. لكن كان صاحب الترجمة ربما خرج لقضاء حاجة، ولم يكن هناك ضابط للأسماء. والاعتماد على ذلك كان على الشيخ نجم الدين المرْجَانِيّ فإنه أعلمني بعد دهر طويل بصورة الحال، فاعتمدت عليه وثوقًا به.
وحفظ بعد ذلك كتبًا من مختصرات العلوم، ولازم أحد أوصيائه أيضًا وهو الشيخ شمس الدين محمد بن علي بن محمد بن عيسى بن أبي بكر بن القطان المصري، فحضر دروسه. ثم حبب إليه النظر في التواريخ وهو بعد في المكتب،
فعلق بذهنه شيء كثير من أحوال الرواة. وفي غضون ذلك، سمع من نجم الدين ابن رَزِين وصالح الدين الزِّفْتَاوي، وزين الدين ابن الشَّيْخَة. ونظر في فنون الأدب من سنة اثنتين وتسعين، ففال الشعر ونظم مدائح نبوية ومقاطيع. ثم اجتمع بحافظ العصر زين الدين العراقي، وذلك في شهر رمضان سنة ست وتسعين، فلازمه عشرة أعوام، وحبب إليه فن الحديث، فما انسلخت تلك السنة حتى خرَّج لشيخه مُسنِد القاهرة أبي إسحاق التَّنُوخِيّ المائة العشاريات.
فكان أول من قرأها في جمع حافل الحافظ أبو زرعة ابن الحافظ العراقي.
ثم رحل إلى الإسكندرية فسمع من مسنديها إذ ذاك. ثم حج ودخل اليمن. فسمع بمكة المدينة وينبع وزبيد وتعز وعَدَن وغيرها من البلاد والقرى.
ولقي باليمن إمام اللغة غير مدافع، مجد الدين ابن الشيرازي. فتناول منه بعض تصنيفه المشهور المسمى: (القاموس في اللغة) . ولقي جمعًا من فضلاء تلك البلاد ثم رجع إلى القاهرة. ثم رحل إلى الشام فسمع بقَطْية وغزة والرملة والقدس ودمشق والصالحية وغيرها من القرى والبلاد.
وكانت إقامة بدمشق مائة يوم، ومسموعه في تلك المدة نحو ألف جزء حديثية: منها من الكتب الكبار، المعجم الأوسط للطبراني، ومعرفة الصحابة لأبي عبد الله ابن مَنْدَه، وأكثر مسند أبي يَعْلَى وغير ذلك.
1 / 63