أربعة. ولكل من الثالثة اثنان اثنان. وصعب عليه ذلك لكونه نوعًا من الحجر عليه. وكثر اعتراض أهل الدولة عليه في الأمور، فاظهر السآمة مع استمراره على عادته في التصميم فيما لا يسوغ، إلا أن اتفقت له كائنة ابن نهار وكان من أبناء الأجناد، وله وقف أراد أن يبيع منه شيئًا. فامتنع القاضي فألحّ عليه بالرسائل، فأصرَّ. فسأل في عقد مجلس بين يدي برقوق. فعقد فوقع من ابن نهار مخاطبة للقاضي بما لا يحتمله. فنفر البرهان من ذلك، وتوجه إلى ظاهر البلد. وشرع يتجهز إلى القدس. فبلغ ذلك الأميرَ فعرِّف القصة، فأمَر بضب ابن نهار بالسياط، وَطيفَ به. وأرسل إلى البرهان من ردَّة إلى منزله مكرَّمًا. ثم صار يسارع إلى عزل نفسه إذا ألزم بما لا يسوغ عنده. فقلق الأمير من ذلك، وأكثر من شكواه إلى الأمراء. وكان له غرض صحيح في عزله، لأنه كان يخشى أنه لا يطاوعه على ما في نفسه من الاستبداد بالسلطنة. فصرفه في آخر يوم من صفر سنة أربع وثمانين وسبعمائة. فأقام بالقاهر قليلًا. وتوجه إلى بيت المقدس على وظائفه. فلم يزل إلى أن مات ولي الدين ابن أبي البقاء قاضي الشام. فأرسل برقوق إلى البرهان بتقليده قضاء الشام. فقبل وباشره أحسن مباشرة، بحيث إنه لم يجد في المودع الحكمي مالًا. فنمَّاه وَثَمَّرَه إلى أن صار فيه ما يفيض عن ألفي ألف درهم فضة كاملية.
وذكر الركراكي أنه عاتب برقوق، وكان صديقه، في عزل البرهان فقال: ما يجيب إلى ما أريد، ولا يزال يخالف. قال: فقلت له: ما أردت إلا من تزين مملكتك به. فقال: صدقت إلا أنه لا يداري الوقت بما يليق.
وذكر لي القاضي كريم الدين ابن عبد العزيز ناظر الجيش، أنه كان بدمشق لما ورد أمر برقوق بولاية البرهان قضاء الشام. قال: كان البرهان قدم دمشق من بيت المقدس في أمر مهم. فلما قضى أرَبه خرج منها وشيعه الأكابر، متوجهًا لبيت المقدس، فورد التقليد والخلعة بعد رحيله. فشيع نائب الشام في إِثْرهِ من أعاده، وقرأ عليه مرسوم السلطان، فأجاب بأن قال: لو ولاني قرية لقبلت. فلبس الخلعة وباشر، وتوجه إلى بيت المقدس، فخطبهم خطبة بليغة وودعهم. ورجع إلى دمشق فأقام بها، وكانت وفاته بدمشق وهو على قضائها في ثامن عشر شعبان سنة تسعين وسبعمائة.
1 / 31