ممدحًا، عَزوفًا عن الضّيم)، إلى أن قال: (وبالجملة فقد كان مفخرًا تتجمل به الدولة، وتتبرك بوجوده الملوك) .
وقال البشبيشي أيضًا: (كان مهيبًا عظيم القدر عند الملوك، محببًا للناس، على غاية من العفة والصيانة، والوقوف مع الحق، الجليلُ والوضيعُ عند سواه. مع عدم الغرض في أمور الدنيا. وكان يقرر فيما يشغر من الوظائف من يسبق، إذا كان مستحقًا. ولو طرأ عليه مَن هو أولى منه، أو مَن له جاه، فلا يلتفت إلى ذلك، بل السابق عنده هو المستحق) .
ثم اتفق أن محبّ الدين ناظر الجيش، عارضه في قضية من القضايا، فقال البرهان: (أنا لا أرضى أن أكون تحت حَجْر كاتب) . فصرف أتباعه، وصرح بعزل نفسه وأغلق بابه. فبلغ ذلك الملكَ الأشرف فانزعج، وأرسل إليه يسترضيه، فامتنع. فراسَله مرارًا، فأصرَّ. فأرسل إليه أخيرًا: (إن لم تحضر وإلا حضرت إليك) . فركب متخففًا بملوطة. واجتمع بالسلطان فرضّاه فَرَضِي بعد جهد. واشترط أشياء أجابه إليها. وخلع عليه ونزل
إلى منزله بجامع الأقمر، ومعه جَمْع من الأمراء والأعيان. فازداد بعد ذلك رفعة وعظمة وازداد مهابة عند الأمراء والعامة.
وكان عارفًا بالفقه، فصيحًا بليغًا، حسن الصوت بالقراءة. وله مشاركة في التفسير والعربية، ومحبة في الحديث وأهله.
ذكر لي القاضي جلال الدين البلقيني، أنه حضر دروسه، ووصفه بكثرة الاستحضار. قال: وكانت طريقته أنه يلقي الآية أو المسألة، فيتجاذب الطلبةُ القولَ في ذلك والبحث، وهو مُصْغ إليهم، إلى أن يتناهى ما عندهم، فيبتدئ فيقرر ما ذكروه، ثم يستدرك مَا لم يتعرضوا له، فيفيد غرائب وفوائد.
وذكر لي القاضي ولي الدين العراقي، أنه عرض له مرارًا، أنه يُخرج له معجمًا أو مشيخة، فلم يقدّر ذلك. ولم يزل أمره مستقيمًا، إلى أن تجهز الملك
1 / 29