قلت: وهذا عجيب،! كيف يظن بهما أنهما بعد أن ولياها من عمر على أنها صدقة، يأتيان إليه يطلبانها ميراثا؟ فإنه قال عمر كما في لفظ البخاري(¬1): "ثم بدا لي أدفعها إليكما. قلت: إن شئتما دفعتها إليكما؟ على أن عليكما عهد الله وميثاقه تعملان فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبما عمل فيها أبو بكر، وبما عملت فيها منذ وليتها فقلتما: ادفعها إلينا، فبذلك دفعتها إليكما".
فهل يذهب وهم واهم أنهما يطلبان الميراث بعد هذا ؟!، فلا بد من حمل رواية النسائي وعمر بن شبة على ما حملنا عليه رواية البخاري، وأنه إتيان أول في حياة أبي بكر، وأن لفظة (الآن) منكرة لمخالفتها للأدلة الدالة على تقدم مجيئهما في طلب الميراث، ولأنها لفظة لم يروها الشيخان ولا غيرهما غير من ذكر ، ورواية الشيخين أرجح من رواية عمر بن شبة والنسائي(¬2)، فالحق أنهما ما طلبا إلا ما قاله الإسماعيلي(¬3)ورواه أبوداود وجزم به ابن الجوزي والنووي(¬4)ولا يصح غير ذلك، وكيف وفي رواية أنه امتنع عمر عن إيقاع القسم عليها.
وإذا عرفت أرجحية ما هوفي غير الرواية التي فيها لفظ (الآن) عرفت أنه لا إشكال في كون عمر ذكر القصة في صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أول أمرها من إفاءة الله عليه إلى آخره، لأن غايته أنه أتى بإطناب غير مطلوب للمتنازعين، ولكنه غير مبطل للخوض معهما وفصل نزاعهما كما ذكر في الإشكال الثالث في هامش الجامع، فليس الإطناب محل إشكال حتى يقال أنه أشكل مما تقدم هذا.
Page 51