وكان خنوم حتب رأسا كبيرا وعينين عميقتين، وقد نفد صبره، وضاق بجموده، ففكر في الأمر طويلا، وعزم على أن يبذل ما في وسعه ليحول الأمور عن السبيل التي تندفع فيه، فأرسل رسولا من قبله برسالة إلى كبير الحجاب سوفخاتب رجاه فيها إلى موافاته بدار الحكومة. وسارع كبير الحجاب إلى مقابلته، وصافحه الوزير، وقال له: إني أشكرك أيها المبجل سوفخاتب على تلبيتك لرجائي.
فأحنى كبير الحجاب رأسه وقال: إني لا أتوانى عن القيام بواجبي المقدس في خدمة مولاي.
وجلس الرجلان وجها لوجه، وكان خنوم حتب صلب الإرادة حديدي الأعصاب، فظل وجهه هادئا رغم ما يجيش بصدره من الأحزان. وقد استمع إلى قول كبير الحجاب في سكون، ثم قال: أيها المبجل سوفخاتب، كلنا نخدم فرعون ومصر بإخلاص. - هذا حق يا صاحب القداسة.
ورأى خنوم حتب أن يطرق موضوعه الخطير، فقال: ولكن ضميري لا يرتاح إلى سير الأمور في هذه الأيام، وبت أتعثر بالمتاعب والمشكلات. وقد رأيت - وأحسبني في رأيي من الصادقين - أن مقابلة بيني وبينك لا شك تأتي بخير كثير.
فقالت سوفخاتب: إنه ليسعدني وحق الأرباب أن تصدق في فراستك يا صاحب القداسة.
فهز الرجل رأسه الكبير دلالة على الرضا، وقال بلهجة تنم على الحكمة: يجدر بنا أن نستوصي بالصراحة؛ فالصراحة كما يقول فيلسوفنا قاقمنا آية الصدق والإخلاص.
فأمن سوفخاتب على قوله قائلا: صدق فيلسوفنا قاقمنا.
فصمت خنوم حتب دقيقة يجمع أفكاره، ثم قال بصوت ينم على الحزن: يندر أن أحظى بمقابلة جلالة الملك في هذه الأيام.
وانتظر الوزير أن يعقب الرجل على كلامه، ولكنه لازم الصمت، فاستطرد قائلا: وأنت تعلم أيها المبجل أني كثيرا ما أطلب تحديد وقت لمقابلته، فيقال لي إن ذاته المعبودة خارج القصر.
فبادره سوفخاتب قائلا: ليس لإنسان أن يحسب على فرعون حركاته وسكناته.
Page inconnue