- طائفة- وهم الأكثر- لم يمارسوا شيئا من العلوم التي يقف بها الناظر على استحالة المستحيل، فيجزم باستحالة وجوده، وإيجاب الواجب، فينفي عدم وقوعه وإمكان الممكن، فلا محالا لازما لطرفي وجوده وعدمه، بل ارتسمت في أذهانهم صور منذ صغرهم، واستمرت بهم الغباوة «1» إلى أن صار ذلك فيهم ملكة.
فهذه الطائفة برؤها من دائها عسير/.
وطائفة لهم أدنى معقول، وقد ألموا بيسير من العلوم، فتجدهم ناكصين عن هذا المعتقد، لا يسامحون أفكارهم بمقاربته، يعولون تارة على تقليد الفيلسوف «2» في مسألة الاتحاد لإعظامهم ما يؤدي إليه من هدم قواعد تظافر على ثبوتها صرائح العقول، فارين من هذه المعضلة إلى التقليد المحض، معتقدين أن الفيلسوف قد حاول العلوم الخفية، فأبانها جلية مبرهنة. ظانين بأن من هذا شأنه جدير بأن يعول على أقواله، وتقلد «3» في المعتقدات! فلذلك ينفصلون عن مسألة الاتحاد «4» بردها إلى مسألة تعلق النفس بالجسد/.
ولو راجع هؤلاء المساكين عقولهم وتركوا الهوى والتعصب، لعلموا أنهم قد نكبوا عن محجة الصواب، وأخطئوا سبيل الحق لوجوه:
أحدها: أنهم إن جعلوا ذلك من قبيل القياس، فغلط، لأن القياس «5»:
«رد فرع إلى أصل بعلة جامعة هي مناط الحكم».
Page 26