قد جعلنا في جواباتهم وقدمنا مسائلهم، بما لم يكونوا ليبلغوه لأنفسهم، ليكون الدليل تاما، والجواب جامعا؛ وليعلم من قرأ هذا الكتاب، وتدبر هذا الجواب، أنا لم نغتنم عجزهم، ولم ننتهز غرتهم، وأن الإدلال بالحجة، والثقة بالفلج والنصرة، هو الذي دعانا إلى أن نخبر عنهم بما ليس عندهم، وألا نقول في مسألتهم بمعنى لم ينتبه له منتبه، أو يشر إليه مشير، وألا يوردوا فيما يستقبلون، على ضعفائنا ومن قصر نظره منا، شيئا إلا والجواب قد سلف فيهم، وألسنتهم قد مذلت به.
وسنسألهم إن شاء الله، ونجيب عنهم، ونستقصي لهم في جواباتهم، كما سألنا لهم أنفسنا، واستقصينا لهم في مسائلهم.
فيقال لهم: هل يخلو المسيح أن يكون إنسانا بلا إله، أو إلها بلا إنسان؟ أو أن يكون إلها وإنسانا؟
فإن زعموا أنه كان إلها بلا إنسان، قلنا لهم: فهو الذي كان صغيرا فشب والتحى، والذي كان يأكل ويشرب، وينجو ويبول، وقتل بزعمكم وصلب، وولدته مريم وأرضعته، أم غيره هو الذي كان يأكل ويشرب على ما وصفنا؟ فأي شيء معنى الإنسان إلا ما وصفنا وعددنا؟
وكيف يكون إلها بلا إنسان، وهو الموصوف بجميع صفات الإنسان. وليس القول في غيره ممن صفته كصفته إلا كالقول فيه كاشتمالها على غيره؟
وإن زعموا أنه لم ينقلب عن الإنسانية ولم يتحول عن جوهر البشرية، ولكن لما كان اللاهوت فيه، صار خالقا وسمي إلها. قلنا لهم: خبرونا عن اللاهوت. أكان فيه وفي غيره، أم كان فيه دون غيره؟
Page 350