كما ذكر اليهود أنه جاء الإسلام وملوك العرب رجلان : غساني ولخمي، وهما نصرانيان، وقد كانت العرب تدين لهما، وتؤدي الإتاوة لهما، فكان تعظيم قلوبهم لهما راجعا إلى تعظيم دينهما. وكانت تهامة، وإن كانت لقاحا لا تدين الدين، ولا تؤدي الإتاوة، ولا تدين للملوك، فإنها كانت لا تمتنع من تعظيم ما عظم الناس، وتصغير ما صغروا.
ونصرانية النعمان وملوك غسان مشهورة في العرب، معروفة عند أهل النسب، ولولا ذلك لدللت عليها بالأشعار المعروفة، والأخبار الصحيحة.
وقد كانت تتجر إلى الشام، وينفذ رجالها إلى ملوك الروم، ولها رحلة في الشتاء والصيف، في تجارة مرة إلى الحبشة، ومرة قبل الشام، ومرة بيثرب، ومصيفها بالطائف، ومرة منيحين مستأنفا بحمده، فكانوا أصحاب نعمة، وذلك مشهور مذكور في القرآن، وعند أهل المعرفة.
وقد كانت تهاجر إلى الحبشة، وتأتي باب النجاشي وافدة، فيحبوهم بالجزيل، ويعرف لهم الأقدار، ولم تكن تعرف كسرى، ولا تأنس بهم. وقيصر والنجاشي نصرانيان، فكان ذلك أيضا للنصارى، دون اليهود.
والآخر من الناس تبع للأول في تعظيم من عظم، وتصغير من صغر.
Page 312