ولكن لما علم تبارك وتعالى، أن أكثر عاقبة هذا الخلق يصيرون إلى جهنم بكفرهم، جاز على سعة الكلام ومجاز اللغة:{ ولقد ذرأنا لجهنم }. وإن كان إنما خلقهم في الابتداء لعبادته، وذلك جائز في اللغة. وقد قال نظير ما قلنا في كتابه في موسى، عليه السلام، قال:{ فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } [القصص: 8]. وإن كانوا إنما التقطوه ليكون لهم قرة عين، وهكذا حكى الله عن امرأة فرعون، إذ قالت:{ قرة عين لي ولك، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا } [القصص: 9]. ومثل قوله:{ إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } [النساء:10]. لما كان عاقبة أمرهم إلى ذلك، وإن كانوا لا يأكلون في الدنيا إلا الأخبصة، والفالوذجات، والأطعمة الطيبة.
وقد قال الشاعر ما يدل على ما قلنا من ذلك:
ودورنا لخراب الدهر نبنيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعها
وللحتوف برى الأرواح باريها
وللمنايا تربي كل مرضعة
والوجه الثاني قال فيه بعض العلماء: إن معنى قوله:{ ذرأنا لجهنم كثيرا }: خلقنا، ومعنى خلقنا: على أن سنخلق، وليس على قد خلقناكم في الابتداء لجهنم، وإنما أراد به في القيامة، كما قال:{ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار } [الأعراف:44]. على معنى سينادون، وكما قال:{ قال الذين استضعفوا للذين استكبروا } [سبأ:33]. إنما يريد الله بقوله سنخلقهم بمعنى الإعادة، وهو يوم القيامة في النشأة الأخرى، فهذا تأويل الآية.
وإنما يدخلون جنهم بأعمالهم جزاء بما كانوا يكسبون، وجزاء بما كانوا يكفرون، وجزاء بما كانوا يعملون، قال الله عز وجل:{ لهم قلوب لا يفقهون بها } [الأعراف:179]. يعني لا يتفقهون بها، وقد كانوا يفقهون ما يقولون، ويبصرون ما هو ألطف من الخردل، ويسمعون ما يريدون، ويستثقلون ما لا يريدون. فعلى هذا المعنى تأويل الآية، وكل آية تشبهها.
ومن سألك فقال: من خلق الشر ؟!
Page 379