كنت عند عبد الله بن الزبير فأتاه كتاب أحمد بن حنبل اكتب إلى بأشبع مسألة عن أبي حنيفة فكتب إليه: حدثني الحارث بن عمير قال سمعت أبا حنيفة يقول: لو أن رجلا قال أعرف أن لله بيتا ولا أدرى هو الذي بمكة أو غيره أمؤمن هو؟ قال: نعم ولو أن رجلا قال أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات ولا أدرى دفن بالمدينة أو غيرها أمؤمن هو؟ قال نعم فهذا القول لم ينقله أحد من أصحاب أبى حنيفة ولا رووا عنه مثل هذا فلو كان صحيحا لنقل كما نقلت جميع مسائله. ولكني أقول ما تقول في اليهود أصحاب موسى لما جهلوا قبر موسى أضرهم ذلك؟ لا لأنهم عرفوا أن موسى نبى حق فأما جهالة القبر لا تضر بدليل أن من لم يزر المدينة ولم يحج لا يعرف القبر ولا البيت ومع ذلك لم يقدح في إيمانه ثم ومن زار المدينة فالحجرة الشريفة حائلة بينه وبين مكان القبر حقيقة من جهة التربيع فمن ذهب إلى قول الحميدي وسفيان احتاج أن يعرف بيوت مكة والمدينة وبنيانهما وصقاعهما وحدائقهما على ما كانا عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، واعلم أن معرفة الأراضى غير مشروعة في شريعة من شرائع الإسلام، واعلم أنا نقول إن الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين مبعوثون حقا ولو قال رجل لا أعرف أن موسى نبى حق أو غيره فقد كفر ومع ذلك لا يضرنا جهالة قبورهم ولا مواطنهم. فأما إذا ثبت عنده مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك بشرائط الإسلام فهو مؤمن حقا ولا يضره جهالته بموضع قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيه فإن القبر ليس من شرائط الإيمان ولا الإسلام، واعلم أنه لو كان الأمر كما ذكر عنه لكان المسلمون الذين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم الناءون عنه لا يصح إسلامهم فإنهم ما كانوا يعرفون كل وقت حقيقة موضعه لأنهم كانوا يفارقونه في موضع وينتقل إلى آخر، أفكانوا بجهالة المواضع يكفرون؟ فإذا ثبت أن الموضع لا يحتاج إليه في حال الحياة فلأن لا يضر مع الوفاة أجدر.
وقال: في سياق الحديث قال الحارث بن عمير: وسمعته يقول: لو أن شاهدين شهدا عند قاضى أن فلانا طلق امرأته وعلما جميعا أنهما شهدا بالزور ففرق بينهما، ثم لقيها أحد الشاهدين فله أن يتزوج بها؟ قال نعم.
الجواب: إن القاضي ما سمى قاضيا إلا مشتقا من القضاء والقضاء القطع كأنه مأخوذ من قطع الخصومات أو مأخوذ من القطع بالشيء عن أحدهما للآخر وهذا أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «قضيت له شيئا» أى من قطعت له شيئا فثبت ما ذكرت فإذا فسخ القاضي بينهما أيحل لأجنبى أن يتزوج بهذه المرأة أم لا فإن قال لا فقد افترى، وإن قال نعم فكذلك يحل لأحد الشاهدين لأن فعل القاضي حجة من حجج الشرع لا تندفع في حق بعض دون بعض وإن كانت لا تحل لأحد الشاهدين فهي على نكاحها الأول فلا تحل لغيره أيضا وليس في سياق الخبر ما يضر ما قلت لأن
قول النبي صلى الله عليه وسلم «فإنما أقطع له قطعة من النار»
فنحن نقول كذا أيضا لأن هذا فعل حرام إنما اتصل بقضاء القاضي غير مدفوع كقضاء النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم بين تحريمه، وما قلت فهو جواب لما أسنده إلى حمزة بن الحارث بن عمير وعن عباد بن كثير.
وأما ما نقله عن محمد بن الحسين بن الفضل القطان إلى يحيى بن حمزة أن أبا حنيفة قال: لو أن رجلا عبده هذه النعل يتقرب بها إلى الله لم أر بذلك بأسا. فقال سعيد: هذا الكفر صراحا.
Page 46