الأمة الإسلامية
الأمة الإسلامية جاءتها الشريعة المحمدية السماوية، فأشربت قلوبها تلك العقائد الجليلة، ومكنت في نفوسها تلك الصفات الفاضلة، وشمل ذلك آحادهم، ورسخت بينهم تلك الأصول الستة؛ بدرجة يقصر القلم دون التعبير عنها.
فكان من شأنهم، أن بسطوا سلطانهم على رؤوس الأمم؛ من جبال الألب إلى جدار الصين في قرن واحد، وحثوا تراب المذلة على رؤوس الأكاسرة والقياصرة، مع أنهم لم يكونوا إلا شرذمة قليلة العدة، نزرة العدد، ولم ينالوا هذه البسطة في الملك والسطوة في السلطان، إلا بما حازوا من العقائد الصحيحة والصفات الكريمة، هذا إلى ما جذبه مغناطيس فضائلهم من مائة مليون، دخلوا في دينهم في مدة قرن واحد من أمم مختلفة، مع أنهم كانوا يخيرونهم بين الإسلام، وشيء زهيد من الجزية لا يثقل على النفوس أداؤه.
هكذا كان حال هذه الأمة الشريفة من العزة ومنعة السلطان.
ظهور الباطنية في القرن الرابع
فلما كان القرن الرابع بعد الهجرة ظهر «الطبيعيون» بمصر تحت اسم الباطنية وخزنة الأسرار الإلهية، وانبث دعاتهم في سائر البلاد الاسلامية، خصوصا بلاد إيران.
علم هؤلاء الدهريون، أن نور الشريعة المحمدية - على صاحبها أفضل الصلاة، وأتم التسليم قد - أنار قلوب المسلمين كافة، وأن علماء الدين الحنيف قائمون على حراسة عقائد المسلمين وأخلاقهم، بكمال علم، وسعة فضل، ودقة نظر، فلهذا ذهب أولئك المفسدون مذاهب التدليس في نشر آرائهم، وبنوا تعليمهم على أمور:
أولا: إثارة الشك في القلوب، حتى يتفكك عقد الإيمان.
ثانيا: الإقبال على الشاك وهو في حيرته، ليمنوه بالنجاة منها، وهدايته إلى اليقين الثابت، فإذا انقاد لهم أخذوا منه مواثيقهم، ثم أوصلوه إلى مرشدهم الكامل.
ثالثا: أوعزوا إلى دعاتهم أن يلبسوا لرؤساء الدين الإسلامي لباس الخدعة، وجعلوا من شروط الداعي أن يكون بارعا في التشكيك، ماهرا في التلبيس، مقتدرا على إشراب القلوب مطالبه.
Page 1