وإن أمة تفشو فيها هذه الحوالق (¬1) لجديرة بالفناء، جالية عن باحة البقاء (¬2) ، فقد انكشف الخفاء - بما بينا - عن فساد مشارب هذه الطائفة، وعن وجه سوقها الأمم والشعوب إلى مهاوي الهلكة والدمار.
وأقول: إنها من أشد الأعداء للنوع الإنساني كافة، فإن ما هاج في رؤوس أبنائها من «الماليخوليا» يخيل إليهم أن الإصلاح فيما يزعمون، ويصور لهم حقيقة النجاح في صور ما يتوهمون، فيبعثهم هذا الفساد لإيقاد النار في بيت هذا النوع الضعيف؛ ليمحو بذلك رسمه من لوح الوجود، فإن من الظاهر - عند كل ذي إدراك - أن أفراد هذا النوع يحتاجون في بقائهم إلى عدة صنائع لو لم تكن لأهلكتهم حوادث الجو، وأعوزهم القوت الضروري، والصنائع المحتاج إليها تختلف أصنافها، وتتفاوت درجاتها، فمنها الخسيس، والشريف، ومنها السهل، ومنها الصعب.
وهذه الطائفة النيتشرية تسعى لتقرير الاشتراك في المشتهيات، ومحو حدود الامتياز، ودرس (¬3) رسوم الاختصاص؛ حتى لا يعلو أحد عن أحد، ولا يرتفع شخص عن غيره في شيء ما، ويعيش الناس كافة على حد التساوي؛ لا يتفاوتون في حظوظهم، فإن ظفرت هذه الطائفة بنجاح في سعيها هذا، ولاق (¬4) هذا الفكر الخبيث بعقول البشر، مالت النفوس إلى الأخذ بالأسهل، فلا تجد من يتجشم مشاق الأعمال الصعبة، ولا من يتعاطى الحرف الخسيسة؛ طلبا للمساواة في الرفعة، فإن حصل ذلك، اختل نظام المعيشة، وتعطلت المعاملات، وبطلت المبادلات، وأفضى إلى تدهور هذا النوع في هوة الهلاك.
Page 4