Maître du Temps: Le Livre et le Dossier du Cas
رب الزمان: الكتاب وملف القضية
Genres
الإسرائيليون يدخلون مصر
تقول التوراة - ولا يقول التاريخ هنا شيئا - إن أول احتكاك للبدو العبرانيين بمصر والمصريين، كان زمن الأب إبراهيم، الذي هبط مصر مع زوجته سارة هربا من القحط الذي حل بأرض كنعان، فحصل هناك على فضل عظيم وخير عميم، يأتي خبره في نص التوراة القائل عن هدية فرعون لإبراهيم: «فصنع إلى إبرام خيرا بسببها - أي بسبب سارة - وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال ... فصعد إبرام من مصر، وكان إبرام غنيا جدا في المواشي والفضة والذهب» (سفر التكوين، 12 و13).
ثم تحدثنا التوراة - ولا يحدثنا التاريخ - عن قصة الصبي الأخاذ في جماله «يوسف» ابن إسرائيل «يعقوب»، وقصة بيعه في مصر، وكيف أثبت مهارة إسرائيلية أوصلته إلى كرسي الوزارة، ليصبح الرجل الثاني في مصر بعد الفرعون، وكيف أرسل يوسف يستدعي أهله لينعموا بخير مصر كملجأ للإسرائيليين كلما قحطت بهم الحياة ولحقت بهم المجاعات.
لكن التوراة لا تخبرنا بالسبب الذي أثار حنق الفرعون التالي على العرش، إلى حد تسخيره ضيوف مصر في الأعمال الشاقة، عقابا لهم على أمر مجهول، ونحن نعلم أن «ماعت/العدالة/القانون الكوني» كانت تاج القانون المصري الدائم، ومن هنا يظن أغلب الباحثين أن الإسرائيليين لعبوا دورا مع الهكسوس الغزاة ضد المصريين، وتعاونوا مع أعداء البلاد فحقت عليهم النقمة، وتم أسرهم مع فلول الهكسوس الأسيرة بمصر.
وبدورنا نذهب مع هذا الظن، ونحتمل دخول يوسف وأهله مصر في عهد «أسيس» آخر الحكام الهكسوس على مصر، وهو ما يلتقي مع الاسم «عزيز» الذي جاء بالقرآن الكريم، خاصة أن الآيات كانت تتحدث دوما عن حاكم مصر باسم الفرعون، عدا زمن يوسف، زمن دخول الإسرائيليين إلى مصر، ناهيك عما سجلته التوراة عن سياسة يوسف في مصر أثناء السنين القحط السبع، حيث احتكر «الميرة» جميعا في خزائنه وباعها للمصريين الذي يموتون جوعا مقابل الاستيلاء على أرضهم ثم مواشيهم ثم أنفسهم هم ليتحولوا إلى عبيد لصالح الحاكم الهكسوسي، أما مشاعر المصريين تجاه هؤلاء الإسرائيليين فقد تبدت بوضوح في اعتبارهم الإسرائيليين نجسا يجب اجتنابه، وهو ما ورد جميعه في نصوص توراتية من قبيل: «اشترى يوسف كل أرض مصر لفرعون؛ إذ باع المصريون كل واحد حقله؛ لأن الجوع اشتد عليهم، فصارت الأرض لفرعون، أما الشعب فنقلهم إلى المدن من أقصى مصر إلى أقصاها، فقال يوسف للشعب إني اشتريتكم اليوم وأرضكم للفرعون» (سفر التكوين، 48). وفي نفس السفر كان يوسف يقول لإخوته: «جواسيس أنتم، لتروا عورة الأرض جئتم.» وكان ينصحهم دوما بالابتعاد عن المصريين؛ «لأن كل راعي غنم رجس عند المصريين» (سفر التكوين، 46).
الإسرائيليون يخرجون من مصر
هذه حكاية التوراة عن الدخول إلى مصر، فماذا عن الخروج؟ تقول التوراة: إن موسى قد ولد في مصر إبان أزمة الإسرائيليين بمصر، والقصة معروفة، فقد ربي في القصر الملكي، وتبنته ابنة الفرعون وأكرمت مثواه، لكن الصبي يكبر فيقتل مصريا تعصبا لبني جلدته، فيطلبه القصاص وتطارده العدالة، فيهرب إلى مديان بسيناء، حيث يلتقي هناك برب سينائي يدعى «يهوه» على هيئة نار في عليقة، ويحمل منه أوامر صريحة لبني إسرائيل، ليخرجوا من مصر تحت قيادة موسى إلى فلسطين، وعاد موسى إلى مصر بتلك الأوامر، وبالعصا الثعبان، مع وعد إلهي يقول: «الآن تنظر ما أنا فاعله بفرعون، فإنه بيد قوية يطلقهم، وبيد قوية يطردهم من أرضه، أنا أعطيهم أرض كنعان أرض غربتهم» (سفر الخروج، 6).
وتتتالى الأحداث فيضرب موسى بعصاه النيل ليتحول دما، وتصير مصر خرابا، ثم يضرب بعصاه ضربات متتالية، فتمتلئ مصر بالضفادع والبعوض والذباب والطاعون والجراد مع برد وظلام، ثم يهبط الرب يهوه بنفسه لتحقيق الضربة الأخيرة بقتل أطفال المصريين، وذلك في النص «وقال موسى: هكذا يقول الرب: إني نحو منتصف الليل، أخرج في وسط مصر، فيموت كل بكر في أرض مصر؛ من بكر الفرعون الجالس على كرسيه إلى بكر الجارية التي خلف الرحى، وكل بكر بهيمة، ويكون صراخ عظيم في كل أرض مصر» (سفر الخروج، 11). «وفي تلك الليلة كان صراخ عظيم في مصر؛ لأنه لم يكن بيت ليس فيه ميت» (خروج، 12). ولم ينس الإسرائيليون عادتهم في الخروج من مصر بالخير الوفير، فقد «فعل بنو إسرائيل بحسب قول موسى، طلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهبا وثيابا، وأعطى الرب نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم، فسلبوا المصريين، فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيس» (خروج، 12).
ثم تأتي الضربة الحقيقية لإفناء المصريين، في رواية التوراة عن قيام ملك مصر وجيوشه بمطاردة الفارين بالذهب، حيث أدركوهم عند البحر، وهنا تحدث المعجزة الكبرى «ومد موسى يده على البحر، فأجرى الرب بريح شرقية شديدة كل الليل، وجعل البحر يابسة وانشق الماء فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم، وتبعهم المصريون ودخلوا وراءهم، فمد موسى يده على البحر، فرجع البحر عند إقبال الصبح إلى حاله الدائمة، فدفع الرب المصريين وسط البحر» (خروج، 14). ويتوجه الخارجون من مصر إلى فلسطين ليغزوها ويحتلوها ويقيموا لهم هناك دولة، تلك الدولة التي قيض لأحد ملوكها «سليمان» أن يحوز في مقدسات المنطقة شهرة لا تضارع، ومع ذلك فقد قال «ه. ج. ويلز» ونقل عنه الباحثون العرب مثل د. أحمد سوسة ود. أحمد شلبي قوله: «أما الوصف الذي اعتاد الباحثون ترديده عن اتساع وامتداد حدود مملكة سليمان، فيعده أكثر الباحثين من قبيل المبالغات التي درجت عليها دويلات تلك العصور، والحقيقة أن مملكة سليمان التي تبجحت التوراة بعظمتها كانت أشبه بمحمية مصرية مرابطة على حدود مصر، قائمة على حراب أسيادها الفراعنة، وكان سليمان يريد أن يجاري الفراعنة في البذخ والظهور بما هو فوق طاقاته وإمكانياته الاقتصادية، فأثقل كاهل الشعب بكثرة الضرائب، ولما عسر على سليمان أن يحتل أرض فلسطين الساحلية طلب معونة فرعون مصر، فأرسل جيشا مصريا صغيرا احتلها وسلمها له مهرا لابنته.» ثم يتساءل: «كيف صور كتبة التوراة مملكة سليمان في صورة تفوق الواقع بكثير؟ فسليمان لم يكن وهو في أوج مجده إلا ملكا صغيرا يحكم مدينة صغيرة، وكانت دولته من الهزال وسرعة الزوال بحيث لم تنقض بضعة أعوام على وفاته، حتى استولى شيشنق أول فراعنة الأسرة الثانية والعشرين على أورشليم.» ثم يتابع قوله: «إن أمور مصر في عهده كانت مرتبكة فخفت هيمنتها على فلسطين وبلاد الشام، وكانت أمور الدولة الآشورية مرتبكة كذلك، وقد منح هذا لسليمان شيئا من الحركة والنشاط والتبسط في ممارسة السيادة، أما ما جاء عن قصة ملك سليمان وحكمته التي أوردها الكتاب المقدس، فقد تعرضت لحشو وإضافات على نطاق واسع، على يد كاتب متأخر شغوف بالمبالغة، في وصف رخاء عصر سليمان، مولها بتمجيد حكمه، وقد استطاعت هذه الرواية أن تحمل العالم المسيحي بل والإسلامي على الاعتقاد بأن الملك سليمان كان من أشد الملوك عظمة وأبهة، لكن الحق أنه إذا قيست منشآت سليمان بمنشآت تحتمس الثالث أو رمسيس الثاني أو نبوخذ نصر، فإن منشآت سليمان تبدو من التوافه الهيئات، أما مملكته فهي رهينة تتجاذبها مصر وفينيقيا، وترجع أهميتها في معظم أمرها إلى ضعف مصر المؤقت.»
ماذا يقول التاريخ؟
Page inconnue