ومضى الزمن بي وأنا ممتط هذه المرة حمارا، ووجدتني في ميدان لو ذررت الملح فيه لم ينفذ إلى الأرض من هول الزحام، وفوق حافة نافذة في الدور الأسفل من بناء ضخم ... وقف خطيب يرتدي بنطلونا وقميصا نصف كم يعلوه وقار الكهولة، ويقول: ثورة مباركة تنسخ حياة فاسدة، وزعيم مبارك يشهر سيفه في وجه ملك فاسد، وحلم يتحقق تنبأت به كلماتي الحارة المسطورة في الصحف!
ثم وجدتني مع الخطيب عقب انفضاض الجمع الحاشد، قلت: يا أبا الفتح يبلى الزمان وتبقى لك جدتك لا تبلى.
فقال باسما: حمدا لله الذي أبقاني حتى أشهد هذا الزعيم.
فقلت بعد تردد: ولكني لا أذكر أنك تنبأت بما حدث أو ضقت بما كان!
فأنشد قائلا، وهو يضحك:
أنا ينبوع العجائب
في احتيالي ذو مراتب
أغتدي في الدير قسي
سا وفي المسجد راهب
وجرى الزمان وقد أركبني بغلا، وإذا بأمواج من البشر تتلاطم وتقذف بالهتافات إلى أركان المعمورة، وثمة سيارة تمضي على مهل، يقف في مقدمتها رجل يخطب من خلال مكبر صوت: محق الله الزيف والضلال، اختفى مدعي الزعامة، واستوى على العرش الزعيم، الشاب المكافح، والمناضل، والمعلم، والرائد، ومتبني ثورات العالم.
Page inconnue