Nourriture des Coeurs
قوت القلوب
Chercheur
د. عاصم إبراهيم الكيالي
Maison d'édition
دار الكتب العلمية - بيروت
Numéro d'édition
الثانية
Année de publication
١٤٢٦ هـ -٢٠٠٥ م
Lieu d'édition
لبنان
الفصل التاسع والعشرون
ذكر أهل المقامات من المقربين
وتمييز أهل الغفلة المبعدين
فإذا كان العبد يوصف ما ذكرنا كان كما قال الله تعالى: (والَّذِيْنَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (وَالَّذين هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ) المعارج٣٢ - ٣٣ وقال بعض العارفين: عمر العبد أمانة الله تعالى عنده يسأله عند موته، فإن كان فرط فيه ضيع أمانة الله تعالى وترك عهده، وإن راعى أوقاته فلم تخرج ساعة إلا في طاعة الله حفظ أمانته ووفى بعهده فله الوفاء من الله على الوفاء، كما قال ﷾: (وَأَوْفُوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) البقرة: ٤٠ أي في تضييع العهد وفي ترك الوفاء وكما قال تعالى: (أفَمَنْ كَانَ عَلى بَيِّنةٍ مِنْ رَبِّه وَيَتْلُوه شَاهِدٌ مِنْهُ) هود: ١٧أي شهد مقام الله تعالى منه بالبيان فقام بشهادة الإيقان فليس هذا كمن زين له سوء عمله واتبع هواه فآثره على طاعة مولاه بل هذا قائم بشهادته متبع لشهيده مستقيم على محبة معبوده وكان كمن وصف في قوله تعالى: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه) وكمن مدحه بحقيقة الإيمان في قوله تعالى: (وَإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا) الأنفال: ٢ أي علامته ودلائله (وعلى ربهم يتوكلون) أي به يثقون وإليه ينظرون وعليه في كل حال يعتمدون ولديه من كل شيء يطمئنون وعنده دون كل شيء يوجدون ثم قال سبحانه: (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) الأنفال: ٤ الآية، وليس أهل الحقائق من المتوكلين الذين مدحهم الحق بالحق وأعد لهم الدرجات العلى، والكريم من الرزق كمن ذكره بعدهم فقال: وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين لهم مع قوله ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا، فجعل حال هؤلاء وصفًا مشبهًا لمقام أعدائه لما بقي عليهم من أهوائهم وجعل مقام الصالحين بمعنى من وصفهم في الآية بحقيقة زهدهم فقال تعالى: (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَات الْعُلى) طه٧٥ فهو العلي وأحباؤه الأعلون وإنما كانو أعلين لأن الأعلى معهم وكنا نحن الأدنين لأن الدنيا عندنا، قال الله سبحانه في وصف من أعرض عن ذكره ولم يرد إلا الحياة الدنيا إذا أمر الحبيب بالإعراض عنه لأنه طلب
1 / 194