كان أبو الوليد الوقشي من فلاسفة الأندلس ومهندسيها الأعلام، وكانت له معرفة جيدة بآراء الحكماء وأفكاره الفلاسفة، كما أنه كان متقنا متحققا لعلم الحساب والهندسة، وحسبك شاهدا على ذلك، أن القاضي أبا القاسم صاعد بن أحمد الطليطلين ترجم له في طبقات الأمم وعده من الحكماء والفلاسفة والمهندسين، واعتراف بفضله كعالم ممتاز لعلم الحساب والهندسة وسمع منه.
وقد كان الوقشي مرجعا للطلاب الراغبين في علم الحساب والهندسة والمنطق والفلسفة وكانوا يقصدونه ويفدون عليه من أقاصي البلاد، ويستفيدون منه، وقد نبغ من طلابه عدد غير قليل، منهم القاضي أبو القاسم المذكور، وإبراهيم بن لب المعروف بالقويدس، كان قد اتصل بالوقشي رغبة في علم الحساب والهندسة، فقرأ عليه كتاب اقليدس وغيره من أمهات الفن، حتة برع فيه وأحكمه وأصبح مرجعا لطلاب الهندسة والحساب.
وهل يمكن أن يقول هذا الشعر إلا مهندس بارع ماهر من أمثال أبي الوليد الوقشي؟! " الكامل "
قد أثبتت فيه الطبيعة أنها ... بدقيق أعمال المهندس ماهره
عنيت بعارضه فخطت فوقه ... بالسمك خطا من محيط الدائره
وقد صرح الحميري أن الوقشي كان قد عنى بالهندسة والمنطق ومليح النادرة ويسميه المقرى الفيلسوف الآريب ويقول إنه كان من أعلم الناس بالهندسة والفلسفة والمنطق والزيوج وآراء الحكماء. الذين عضوا على تعليم الكتاب والسنة بالنواجذ، ولم ينحرفوا عن الصراط السوى قيد شعرة. ولم يتحقق لدينا ما يقضي خلاف ذلك في عقيدته، وإنما شك الناس شكا في ذلك لما وصل إليهم من الأشياء المنسوبة إليه، ولم يصرحوا فيه بشيء، أو قل إنهم ما استطاعوا أن يصرحوا بشيء في ذلك لأن الآراء التي نسبت إليه زورًا وكذبا بالاطلا عبه، لم تكن لها حقيقة، ومن ثم لم يقل أحد شيئا بالصراحة في عقيدته وآرائه التي انحرف فيها عن طريق السنة، إلا أن القاضي عياض " يقول أن الكتاب قد ظهر وأخبر الثقة أنه رواه عليه سماع ثقة من أصحاب وخطه عليه " وأما ابن بشكوال فانه لا يؤكد بشيء وإنما يقول " وقد نسبت إليه أشياء والله أعلم بحقيقتها، وسائله عنها، ومجازيه بها " وأما العقيدة التي أتهم بها والرأي الذي زن به، فهو ليس إلا رأي الاعتزال وأما الكتاب الذي ظهر فاكتسب له عارا، وزهد الناس في عمله، وتركوا الرواية عنه، فهو لم يكن إلا " تأليف في القدر والقرآن وغير ذلك من أقاويلهم ".
وقد كان الفقيه أبو بكر بن سفيان بن العاصم من تلاميذ الوقشي ينفي عنه الرأي الذي زن به الكتاب الذي نسب إليه.
وليس من وظيفتنا أن نبرر الوقشي وننفي عنه الرأي الذي اتهم به وندافع عنه، كما إنه ليس من واجبنا إدانة خصومه المعارض لع، وانما وظيفتنا وواجبنا هو قول الحق، والتحقيق العلمي لا غير. فنقول إن الوقشي برئ مما زن به واتهم وذلك لأن: القاضي عياض لم يذكر اسم الثقة الذي أخبره. ثم أن هذه الثقة لم يسمع من الوقشي مباشرة، وإنما " رواه عليه سماع ثقة " من أصحابه ولا نعرف هؤلاء الصحاب الذين سمع منهم، ولا نتحقق أكانوا من أعدائه أو من أصحابه، وأما " خطة عليه " فانه ليس ببعيد من الحاسدين المزورين المزيفين وخاصة في تلك العصور المختلفة، أن يصنعوا بأيديهم ورقة من غلاف الكتاب بخط المؤلف وينسبوه إلى من أرادوا تذليله، والطعن فيه والافتراء عليه! وعندنا شهادة فقيه عدل من أمثال أبي بحر بن سفيان بن العاصي الذي كان ينفي عن شيخه الرأي الذي زن به الكتاب الذي نسب إليه زورا مما لا يترك مجالا للشك في تزوير الرأي وتزييف الكتاب المنسوب إلى العالم النبيل البري مما افترى عليه الحاسدون المطلبون، ولا يجوز لمسلم أن يشك في إيمان أخيه السلم وعقيدته إلا إذا ثبت لديه بشهادة قاطعة خلاف ذلك.
1 / 13